على المستوى المعرفي والسياسي ثمة ذاكرة عميقة وجهد وكفاح متواصل لدى العرب عبر نخبهم الثقافية والفكرية، لتغيير وتطوير واقعهم السياسي والاجتماعي، والانعتاق من ربقة التخلف الحضاري بكل صنوفه ومستوياته. ودفعت الشعوب العربية في هذا السبيل الكثير من التضحيات وعانت الكثير من الآلام.. ومازال مشروع المطالبة بالتغيير والتجديد قائماً، ومازال الشوق التاريخي لدى العرب بكل فئاتهم وشرائحهم ببناء دولة، تحترم الإنسان، وتصون كرامته، وتحافظ على استقلاله، وتمنع هيمنة الأجنبي عليه، وتوفر للمواطن العربي في القرى قبل المدن وفي الريف قبل الحواضر مقتضيات العيش والحياة الكريمة. وفي التاريخ العربي والحديث والمعاصر، هناك الكثير من المحطات السياسية والاجتماعية التي أبان العرب فيها شوقهم إلى الكرامة والتقدم وبناء دولة وفق معاييرهما. إذا تمكن العرب من صياغة الإنسان في وجوده وحقوقه، فإنه المؤشر الفعلي لتجاوز المعضلات والعقبات التي تمنع تقدم العرب وانطلاق حياتهم الحضارية.. وقومياً هذا ما ينشده العرب ويتطلعون إليه على كافة المستويات.. وعبرت كل المجتمعات العربية في هذه المحطات عن وعيهم وسعيهم المتواصل للوصول إلى أهدافهم وطموحاتهم الجمعية، وعن كفاحهم في سبيل الانعتاق من التخلف وبناء دولهم الوطنية على أسس أقرب إلى طموحاتهم في البناء والتقدم والعمران. ومن أجل تزخيم هذا المسار لدى الشعوب العربية، ثمة حاجة ضرورية لكل المجتمعات العربية للاستدارة نحو الداخل العربي. والاستدارة نحو الداخل تعني: إعطاء الأولوية إلى الوطن. فلا يجوز تقديم غير الوطن على الوطن. ويقتضي هذا صرف كل الإمكانات والقدرات على الوطن.. ولا يمكن لأي إنسان أن يعطي أولوية للوطن وهو يكره بعضهم.. فعلى الجميع وفق أولوية الوطن أن يحب ويتعايش مع كل المواطنين، لأنه لا وطن بلا مواطنين. تعزيز وتمتين أواصر الوحدة الوطنية بين الجميع.. فقوة الوطن في وحدته وتنوعه.. ولن نتمكن من تعزيز وتمتين الوحدة الوطنية إلا بالقبول بالتنوع الذي يضمن الوحدة.. فلا وحدة إلا بتنوع، ولا تنوع خلاق إلا بوحدة وطنية إنسانية.. وآن الأوان على المستوى الوطني صيانة وحدتنا الوطنية والاجتماعية على قاعدة احترام الجميع.. ومن يقلل الاحترام لأي طرف، هو في حقيقة الأمر يضر بالنسيج الاجتماعي والوحدوي. وثمة مناخات اجتماعية وسياسية، تدفع بضرورة أن تعتني المجتمعات العربية بكل مقتضيات التطوير وإنهاء الأزمات ومعالجة الأمراض.. لأن إصلاح الجزء مقدمة لإصلاح الكل.. لذلك ثمة ضرورة وطنية وقومية للاستدارة نحو الداخل، لا للانحباس فيه، والتخلي عن القضايا القومية.. وإنما ما تعلمنا إياه التجارب السياسية والاجتماعية أن أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في تضييع القضايا القومية لدى العرب، هو فشل وإخفاق المشروعات السياسية والثقافية وخضوع كل الدول الوطنية إلى معادلات إقليمية ودولية، ليست بالضرورة منسجمة وتطلعات وطموحات الشعوب العربية. لذلك فإن الاستدارة نحو الداخل، هي بوابة إصلاح الأوضاع العربية. والعرب جميعاً معنيون بإرساء معالم دولة الإنسان في مجتمعاتهم العربية.. وبهذه الكيفية ننهي حالة الجدال الأيديولوجي العقيم الذي تزخر به المجتمعات العربية.. نريد في الواقع السياسي العربي، دولة تحترم الإنسان وجوداً وحقوقاً.. وإذا تمكن العرب من صياغة الإنسان في وجوده وحقوقه، فإنه المؤشر الفعلي لتجاوز المعضلات والعقبات التي تمنع تقدم العرب وانطلاق حياتهم الحضارية.. وقومياً هذا ما ينشده العرب ويتطلعون إليه على كافة المستويات. وكل الأيديولوجيات العربية تنتقل إلى حيز التنفيذ ببناء دولة الإنسان.. بحيث يكون الإنسان/ المواطن هو حجر الزاوية في كل القوانين والجهود التربوية والتعليمية والدستورية. وعليه فإن بناء دولة الإنسان، هو الذي ينقذ كل المجتمعات العربية من كل الظروف والمعطيات التي تعيشها كل المجتمعات العربية.