سمير الفيل: الرواية الأولى لكل كاتب هي حبه الأول تقول الروائية إيزابيل الليندي: "أحاول الآن أن اقرأ روايتي الأولى "بيت الأرواح" ولا أستطيع، يا إلهي كل هذه الصفات؟ لماذا؟ كل ما كان علي فعله هو استخدام اسم واحد جيد بدلاً من ثلاث صفات". مع العلم أنها تتحدث عن رواية تعتبر أهم الروايات في تاريخ الرواية في أميركا اللاتينية، ولا تزال تجد حفاوة كبيرة، مثلها في ذلك كمثل رواية "المدينة الكلاب" التي احتفلت الأكاديمية الملكية الإسبانية في مارس الماضي بمرور أكثر من نصف قرن على كتابتها وطبعت منها نسخة جديدة احتفالاً بهذه المناسبة، وقد قال عنها كاتبها ماريو بارغاس يوسا:" بصراحة، أراها بعيدة جداً وكأنها في حياة سابقة لي. ولكن لا، لا أحب أن أغير فيها. ربما إذا كتبتها اليوم ستكون مختلفة تماماً لأنني تغيرت واكتسبت خبرات كتابية وحياتية مختلفة، لكن الكاتب هو ابن لحظته وتاريخه وموقعه وأنا أحبه كما هو، هناك في تلك الحقبة، وأكثر ما أحب فيه كل المفاجآت التي حملها معه لي، فهو الكتاب الذي جعلني انتشر أكثر". ولكن ما عدا أن الرواية الأولى هي التجربة الأولى والانطلاقة الأولى يتذكر الروائي الياباني هاروكي موراكامي معاناته في كتابة روايته الأولى "أسمع الريح تغني" فيقول: "لست بحاجة لأن أذكر أن قدرتي على التعبير باللغة الإنجليزية لم تكن كبيرة، كانت مفرداتي محدودة للغاية، كما كان شأني مع بناء الجملة الإنجليزية، لم أتمكن سوى من كتابة جمل قصيرة بسيطة، الأمر الذي يعني أنه بغض النظر عما كان يجول برأسي من أفكار عديدة ومعقدة لم أكن استطيع التعبير عنها كما كانت تتداعى إلي، لم أتمكن من استخدام سوى لغة بسيطة، والتعبير عن أفكاري بعبارات سهلة الفهم، وجاءت أوصافي مجردة من الحشو العرضي غير الجوهري، فكنت الصيغة وجيزة، وكان كل شيء مرتباً ليتناسب مع إطار محدود الحجم، وهنا جاءت النتيجة كنوع من النثر، اللفظ الخالي من الجمال". واجهنا بهذا السؤال عدداً من الروائيين الذين تذكر كل منهم تجربته الأولى وتحدث عنها على طريقته بعد مسافة زمنية طويلة تفصله عنها، فقال الروائي والقاص المصري سمير الفيل: "تعد رواية "رجال وشظايا" هي روايتي الأولى التي كتبتها بعد تجربة طويلة مع القصة القصيرة. كان الدكتور عبدالقادر القط يتبنى نشر قصصي القصيرة في مجلة "إبداع" دون أن يقابلني ابتداء من سنة 1981، وقد قابلته في مطار القاهرة الدولي أثناء اتجاهنا لمؤتمر العقاد الدولي بأسوان سنة 1990، وحدثني عن نصوصي التي أرسلتها له". ثم يكمل الفيل متذكرا روايته الأولى:"كتبت رواية "رجال وشظايا" في الفترة بين 1974 1976 وهي فترة تجنيدي في سلاح المشاة الجيش المصري، مدفعية الهاون 82 مم، ونشرتها لي الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1991. وحين انظر للنص الروائي أجده يحتاج إلى تقنيات أكثر تركيباً، وأشعر أن أبطاله كانوا بحاجة إلى تعميق".ثم يردف: "فضيلة تلك الرواية أنها من الكتابات الأولى حول حرب 1973. وقد شملتها موسوعة الدكتور حمدي السكوت بالجامعة الأميركية كما دخلت مادة أساسية في رسالة دكتوراه للدكتور عبد المنعم أبو زيد بآداب الفيوم، وعنوانها " البناء الفني لروايات الحرب"، وضمت الرسالة معالجة خمس روايات نقديا، منها روايتي تلك". ويستمر الفيل بالحديث عن روايته الأولى: "كتبت بعدها روايتين "ظل الحجرة" و"وميض تلك الجبهة" وانتهيت منذ أيام من كتابة روايتي الرابعة "الحفر بحثا عن زمن معتق" بعد نشر 14 مجموعة قصصية. أتصور أن الرواية الأولى لكل كاتب هي حبه الأول، وفيه طراوة البدايات، وطزاجة الرؤية لكن في كل الأحوال لو ان الكاتب قارنها بأعماله التالية فلسوف يعثر فيها عن جوانب نقص، فالكمال لله وحده". كما تحدث الروائي العراقي محسن الرملي عن روايته الأولى فقال: "بالنسبة لروايتي الأولى التي نشرتها عام 2000م "الفتيت المبعثر" فهي بالتأكيد ليست تجربتي الأولى في كتابة الرواية، وإنما سبقتها أربع محاولات لأعمال روائية لم اقتنع بها لنشرها واعتبرتها مجرد تمارين ضرورية تجاوزتها، أما عن روايتي الأول المنشورة "الفتيت المبعثر"، فما زلت أعتز بها جدا واعتبرها خطوتي الصحيحة الأولى في عالم الرواية". ويكمل الرملي في نظرة تكاد تكون نادرة بالنسبة لنظرة الروائي لروايته الأولى فيقول: "عندما راجعتها بعد مرور 15 عاماً على نشرها من أجل إعادة نشرها بطبعة جديدة، وجدت نفسي راضياً عنها كل الرضا، بل وحتى معجب بها، ولم أغيّر فيها أي شيء كما كنت أنوي عند المراجعة، بل إنني تمنيت لو أنني أستطيع الآن الكتابة مثلها، من حيث الطزاجة والتكثيف وبعض التجريبات اللغوية والتقنية والرمزية التي كانت تغويني في شبابي عندما كتبتها، وأحيانا أفكر بشكل جدي بمعاودة محاولة الكتابة مثلها، أي روايات قصيرة وتقول الكثير، ولكن الإشكال يكمن في أننا مع تقدم العمر وتراكم الخبرة الشخصية والمعرفية يزداد ما نريد قوله، فجاءت روايتي الأخيرة مثلا في أكثر من أربعمائة صفحة، بينما الذي أتمناه هو الكتابة مثل عملي الأول، رواية في مائة صفحة". ويكمل الرملي حديثه عن روايته الأولى: "الأمر الآخر هو أنني انتبهت وبفضل ملاحظات القراء إلى أن بذور كل أعمالي اللاحقة كانت موجودة في عملي الأول، سواء ما يتعلق منها بالمواضيع والأسئلة واللغة والمناخات وحتى الشخصيات، فتبدو أعمالي اللاحقة وكأنها تنويع وتوسيع لعملي الأول. إضافة إلى كل ذلك، فأنا أشعر بأن عملي الأول قد كان له فضل علي أكثر من فضلي عليه، فبعد ترجمتها إلى الإنجليزية استطعت أن أحصل على مبلغ من المال تمكنت به أن أترك العمل في السوق والتفرغ لكتابة أطروحتي للدكتوراة، والتي فتحت لي آفاقاً أخرى بعدها وهكذا. وهكذا فأنا أعتقد بأنني سأبقى أعتز بروايتي الأولى مهما مر عليها الوقت، وخاصة أنها ما زالت تمنحني المزيد من القراء الجدد كلما ترجمت إلى لغة أخرى وكلما صدرت منها طبعة جديدة". كما تحدث الروائي الفلسطيني يحيى يخلف عن روايته الأولى بقوله:" روايتي الأولى هي (نجران تحت الصفر) الصادرة في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، أي منذ ما يقارب أربعة عقود. كانت أول رواية تفتح الباب لما سمي ب(أدب الصحراء) وكانت ثمرة تجربة معيشة غمست فيها قلمي بمداد ظروف اجتماعية وسياسية كنت شاهداً عليها في مدينة نجران إذ كنت حينها أعمل معلماً في مدرسة متوسطة نجران المدرسة الوحيدة في المدينة. كانت منطقة نجران حينها منطقة عسكرية، تشهد حدودها معارك طاحنة تدور بين الملكيين والجمهوريين في اليمن إثر الانقلاب الذي قام به المشير عبدالله السلال على نظام الملوكية اليمنية". ثم يكمل وزير الثقافة الفلسطيني السابق حديثه عن روايته الأولى فيقول: "وما أشبه اليوم بالبارحة، فنجران التي تحاذي منطقة صعدة اليمنية مازالت حتى الآن تعاني من آثار الحرب الدائرة الآن ما بين الحوثيين والنظام الشرعي الذي يمثله الرئيس هادي، الجديد بالنسبة لنجران أنّ ظروفها الاجتماعية والحياتية تختلف عما كانت عليه في الماضي، إذا في الماضي، أي الزمن الذي تحدثت عنه الرواية، فرياح التغيير والحداثة وصلت المدينة، ففي الماضي كانت المدينة أقرب ما تكون إلى قرية متخلفة، لا تتوفر فيها بنى تحتية، لا توجد بها كهرباء ولا شوارع معبدة، ولا مطار عصري، ولا مستشفيات ولا شقق سكنية تتوفر بها كل أسباب الحياة ولا شبكة تزود الماء للبيوت، ولا وسائل تواصل اجتماعي. ثم يستطرد يخلف: "أما اليوم فإنّ نجران مدينة مزدهرة، تتوفر بها كل أسباب التقدم والحداثة، ففيها بنى تحتية من متاجر كبيرة وأسواق ومدارس وجامعة وملاعب وفرق رياضية وشوارع معبدة، ومطار عصري، وشبكات ماء وكهرباء، ووسائل تواصل اجتماعي، وصار فيها نخب ثقافية وعلمية، وربما اتسع هامش الحريات العامة. ثم يردف يخلف: "في منتصف ستينيات القرن الماضي تدور وقائع رواية (نجران تحت الصفر) التي كانت تتعرض لضغوط اجتماعية وما تخلفه الحرب المجاورة من خوف ورعب، وانحازت الرواية لقضية الإنسان وهمومه، هذا الإنسان الذي كان يعيش آنذاك تحت سقف الفقر ونقص الخدمات وغياب الحريات العامة كون المنطقة تعيش حالة طوارئ، ويعيش في الوقت نفسه تحت سقف النيران القادمة من جبال صعدة.. كتبت من موقع انحيازي لقضية الإنسان حكايات لشخصيات تواجه مصيرها وأقدارها في مدينة محاطة بالمجاز بأسلاك شائكة، تتطلع إلى فضاء رحب. ويتذكر: "لا ارغب في تلخيص الرواية في هذه العجالة، ولا أرغب أن أتحدث عن ما واجهته الرواية من منع وملاحقة، ولا اريد في الوقت نفسه أن أتحدث عن ما لقيته الرواية من ترحيب وتقدير وإعجاب في العالم العربي إذ تعددت طبعاتها حتى وصلت إلى خمس عشرة طبعة، لكنها على كل حال مادة قدمتها لي مسيرة الحياة في مشوار العمر. لقد أحببت نجران، وأحببت إنسانها وأهلها، وأتابع الآن حنينها وأنينها وهي تواجه القصف والصواريخ القادمة من صعدة والأراضي اليمنية، ولو كان في العمر متسعاً لكتبت من جديد عن نجران الآن راصدًا المتغيرات بين الأمس واليوم، بين الماضي والحاضر، ومتطلعاً الى قوة الحياة في روح الشعب السعودي ونخبه الثقافية والعلمية والفكرية، وما تتمتع به نجران من عظمة إنسانها وعظمة تراثها الحضاري والإنساني". ثم يختم يخلف حديثه بقوله: "ولعل خير ما اختم به هذه الشهادة هو التأكيد على أنّ من الظلم أن نحكم على مضمون رواية (نجران تحت الصفر) بمقاييس الحاضر، فالظروف تغيرت، وحركة الحياة ليست ساكنة أو جامدة، والزمن يسيل مثل نهر عظيم متدفق". محسن الرملي:«الفتيت المبعثر» خطوتي الصحيحة الأولى في عالم الرواية يحيى يخلف:مادة الرواية قدمتها لي مسيرة الحياة في مشوار العمر قدرة هاروكي موراكامي على التعبير بالإنجليزية المحدودة دفعته بكتابة جمل قصيرة وبسيطة