أصبحت كتب الياباني هاروكي موراكامي تشكل ظاهرة أدبية لا تخلو من الاهتمام الزائد والمحموم، كما أنها تبعث على الريبة. ورغم ذلك، فأوان صدورها يشكل حدثا أدبيا تتهافت عليه وسائل الإعلام والقراء على حد سواء. وما يزيد الاستثناء فرادة وغرابة وإثارة أن هاروكي وافق أخيرا على نشر روايتين هما في الأصل أول إصداراته في اليابان. بعد 37 عاما من التردد والتخوف من قيمتها الأدبية، ها هو هاروكي موراكامي يأذن بنشرهما، يتعلق الأمر برواية: «اسمع نشيد الرياح» الحاصلة على جائزة غونزو عام 1979 ورواية «الزعنفة» الصادرة عام 1973 وكلاهما لم يترجم قط إلى اللغة الفرنسية. بل إنهما لم يعد نشرهما حتى في اليابان. يقول موراكامي عن روايتيه الصادرتين عن دار بلفون الفرنسية يناير 2016: «أكتب دائما على مائدة المطبخ وحتى وقت متأخر من الليل. هذا هو السبب في تسميتي لهاتين الروايتين «الكتابة فوق مائدة المطبخ» مع الكثير من الحب ونوع من الانزعاج ...ولم أشأ أن أدخل عليهما أي تغيير، لأنهما مثل الأصدقاء القدامى. ربما لن أقابلهم أبدا، ولن أتحدث إليهم أبدا، ولكن من المؤكد أنني لن أنساهم أبدا. صداقتهم ثمينة بالنسبة لي، ولا يمكن الاستغناء عنهم. لأنهم يشجعونني ويدفئون قلبي». سيجد القارئ في هذين العملين الموضوعات الأثيرة عند موراكامي مثل الحنين، والشعور بالوحدة والاغتراب وتفاهة الحياة الاجتماعية وثقافة البوب. في هاتين الروايتين نتعرف خصوصا على بداياته مع الكتابة، التي كانت تتسم برؤية واقعية. هناك القليل من المفاجآت، والكثير من الحوار. يتميز موراكامي، بالفعل منذ بداياته، بمسحة من الغموض، الذي يكلل شخصياته المفرطة في الهشاشة والتناقض. في كل الأحوال سيكتشف قارئ موراكامي أنه أمام موراكامي آخر على عتبة كتابة شيء آخر مازال مقيدا بواقعية وصفية صرفة، لم يخترق بعد عوالمه الحلمية المتشعبة التي نجدها في «كافكا على الشاطئ» أو «الغابة النرويجية» أو «1984». ومع ذلك نصادف نواة تبلور فن الرواية لديه وكأن الروايتين رحمان لما سيأتي في ما بعد من أعمال عظيمة فهما يحملان جينات فن قلب الحياة اليومية إلى فانطاستيك مثير من القلق الوجودي للكائن الياباني المعاصر.