تعتبر الإبل وسيلة النقل العام الرئيسية قديماً في الجزيرة العربية, التي اعتمد عليها المجتمع, والأسرة, وقوافل التجارة في السفر والرحيل ونقل البضائع والأثقال والأثاث والأفراد, ولها أدوات وطرق كالخرج والعيبة, الهودج, والقن, توضع على ظهور الإبل. فقامت روابط وثيقة بين الإبل والإنسان بصداقة عشق ومحبة, فنجد سكان الجزيرة العربية يمنحون الإبل الاهتمام بمصاحبتها, ومنادمتها, وكأنها فرد من أفراد العائلة. هناك شواهد كثيرة تحفظ الحالة التي ربطت الإبل بأصحابها, والتي رصدناها في بعض الأشعار النبطية, تحمل أجمل صوَر في العلاقة التي تربط الإنسان بناقته أو قعوده أو راحلته, وتعبِّر عن حالة شريحة كبيرة من سكان الجزيرة العربية بعلاقتهم مع إبلهم, وفي قصيدة. ومن تلك القصائد قصيدة الشاعرة غزوة بنت دريويش بن دخيل, التي مدحت فيها قعودها ونلمس بمعاني القصيدة مدى افتخارها وعشقها له, فتصفه وكأنها تصف أغلى حبيب بجماله, وصفائه, وكمال عقله, وقوته, وصحته, معبرة عن سبب الحالة التي أودت بحبها له, فتصفه كالجدي بين النجوم, متميزا عن غيره من الإبل, ما أعطت صورة واضحة عن علاقة سكان الجزيرة بإبلهم لأنها يعتبرونها عصب الحياة. جل المشش ما صاب رجلي قعودي ولا يدور ما ثرات الجرب فيه لا هو بخوار ولا هو بجودي ولا يقيل وأشهب اللال حاديه غير أملح لما ورد ما يحودي ويزعج الما وان سمع صوت راعيه ما زين قعودي وسط ذودا هدودي وليا زمى عشب الوسامي رعي فيه يبرا لها راع أشقرا بالنفودي وبالبر من در المصاغير يطغيه ويفدا قعودي كل غمرا شرودي ما رد عند الجيش ليا خف تاليه أما الشاعرة وعلة بنت ظافر الحبابي, فعبرت عن ما تشعر به تجاه إبلها في حالة الرعي لإبلها, وتكشف عن مدى سعادتها وهي تخرج وقت الفجر, وتلاحظها, وتتعايش معها, وتحافظ عليها, فتعطينا صورة عن كبريائها وفخرها بأصالة إبلها, ما يدل على قيمة الإبل المعنوية الكبيرة التي تحرك سكان الجزيرة العربية نحوها كالبوصلة, وترسم الشاعرة لنا صورة جميلة في وصف مهنة الرعي والمراعي, وما تحمله من شغف في حبها واستمرار الحياة فيها. وكيفية البحث عن ما يطيب للإبل من الأعشاب, كما تعطينا صورة حية في ارتباط وعشق البدوية لأرضها, جعلتنا نعيش جمال الطبيعة فيها, بمنظر خضرتها وأعشابها المتنوعة, فلامست مشاعرنا بتخيلها, ورغم ما يحدق بالحياة من خطر متمثلاً في عواء الذئب, لكنها تراه من جماليات الحياة, يبعث على تحريك النفس على المحافظة عليها, بشحذ الشجاعة والدفاع عنه. تعرج الشاعرة في وصف الإبل مرة أخرى, لنشعر معها بقوة اهتزاز الفخر في روحها بهذه الإبل التي تعشقها, والتي كانت تقوم الحروب والغزوات من أجلها, بل والتباهي بكسبها في حال كانت من السلالات الطيبة, ذات الأصالة المعروفة عند سكان الجزيرة. وترى الشاعرة أن امتلاك الإبل الأصيلة, والمحافظة عليها من النهب, والمخاطر التي تحوم حولها تجعل قلوب العذارى ميّالة نحوه, لأنها تعني في نظرهن الشجاعة, والغنى, والبطولات, وفي القصيدة تواصل حسي بين المتلقي والقارئ بصور للفخر التي ضمنتها الشاعرة القصيدة, ففي امتلاك الأبل الأصيلة عند العرب وفي نفوس أصحابها شرف يزيدها عنفوان وفخر, وفي المحافظة عليها واجب يمس الكرامة. ثم عددت الشاعرة منافع الإبل التي تجعلهم يتمسكون بامتلاكها وتربيتها فهي وسيلة التنقل والسفر في الماضي تقرب البعيد بسرعة, ومصدر الرزق في حليبها ووبرها, ومرافقة التاجر في تجارته, ومنها يكون الناس بين غنى وفقير. حين ترى الشاعرة إبلها بارزة على رابية, تجعلنا نشعر معها وهي تنتشي فخراً بأصالة الإبل وحباً لها, وفي هذا نشعر بأقصى ما وصلت له مشاعر الشاعر التي توضح عظم أصالة الإبل التي استحقت هذا الفخر بها. تنتشي روحها فخرا فتقوم بتعداد إبلها حسب مسمياتها وأعمارها, لتستدرج خيالنا بمنظر الإبل الأصيلة وكثرتها واختلاف أعمارها, فنستحضر المنظر و أنواع الإبل وعددها, وفي إثبات أصالة نوقها تنفي الشاعرة في البيت التاسع باستنقاصها للفحل الضعيف وجوده بين الإبل التي ترعاها. وتحت سيطرة المشاعر بالفخر والعزة بهذه الإبل, تلتجئ شاعرتنا وعلة الحبابي لله, بطلبها بشائر المطر, ليبقى الربيع دائماً, والسيول متوفرة, فتجد الإبل ما يشبعها في الأرض وهي خضراء, فتزيد الحياة جمالاً. قدمت مسراحي بحل التشفاع أبغى نبات زم يجهر نويره عفت القرايا من مذبي والأرداع والقلب مشحون تواقد سعيره الذئب دون أمي غدا له تواع كم ذا المدى طايل وعني سهيرة يا بوي هم وشددوني من القاع عز الله مالي في التبيان خيرة طوفوا لنا في الأودية شخط مرباع يا سعد بو من راح من غير جيره نرعى بها اللي تقرب البعد بشراع يا شبه نوزا في ظهيرة بين الرباع وبين ثنو والأجذاع يزينها في الراك لدنف بريره وفحولها مثل الرعد له تزعزاع أو مثل شيف مسخل في بكيره تشكي من المثبور ما هو ببتاع ما هو بكفو في السنين الضريرة يبغي بنات في الأساويق براع وأهل الحضارة ما لها كل ديرة يا الله يا المطلوب يوم أنت نفاع يا معطي الرزق لجاء بشيره عطنا مزون الرجع نشتت في القاع يا زينها عشوا بخاطي مريرة شابت عيوني يوم ما رأيت الشماع ما شفت من عقب الغداري سفيره أعطتنا القصيدتين نبذة عن الفخر بالإبل وشرفا لمن يمتهن رعيها, يجعلنا نشعر ما كان عليه الراعيات من حالة نفسية, في تجولهن مرافقات للإبل, محافظات عليها ومستمتعات بأوقاتهن, مستكشفات جمال الأرض والسماء, التي تمدهن بجمال الحياة, فيتعلقن بها. روابط وثيقة بين الإبل والراعية