الصحراء بمتغيراتها المناخية والجغرافية تمثل جزءا كبيرا من مساحة الجزيرة العربية تلك الصحراء التي احتضنت أوائل العرب وعاشت عليها أجيالهم من بعدهم توارثوا وهم يعايشون القسوة والرخاء فيها الشجاعة والوفاء والكرم والخصال الحميدة حتى أصبحوا رمزا ومثلا لتلك المزايا، فلا يكاد مثلا عربيا أصيلا يدرج بين العرب ومن حولهم إلا ويحمل أسما من أبناء عرب الجزيرة لقد أقترن الكرم بحاتم والشجاعة بعنتر وغيرهم الكثير ممن درجت أسمائهم في ساحات الأدب والشعر والوغى وبعد أن جاء الإسلام أصبحوا هم فرسان المعارك والفتوحات وكان لهم الدور الكبير في توسيع رقعة بلاد الإسلام. لقد ساهمت هذه الخصال في حفظ توازن شخصية أبن البادية الذي ورث تلك الثقافة الأصيلة بما فيها لغته التي مازال يمتلك في جملها أصيل المفردات العربية، أن المتمعن في جمل الحديث التي يتبادلها سكان البادية مع أنها بالعامية إلا انه يجد الأصالة فيها ويلحظ جذورها العميقة الضاربة في مياه اللغة الأم، وشواهد ذلك تظهر في شعرهم المتقدم يقول الشاعر سعد بن جدلان: يا سيدي خادم البيتين لافض فوك في كلمة عانقت حضر الوطن وبدوه وقد تطرق عدد من الباحثين إلى دراسة أصيل العامي فوجد أن معظم مفردات أبناء البادية هي من اشتقاق أصلي علاوة على وجود المخارج السليمة لها مما يزيدها فهما وفصاحة، والعرب لم تجهل هذه المعلومة، فلقد كان أهل القرى يرسلون أبنائهم إلى البادية لتعلم اللغة السليمة من الشوائب والتشبع بالعادات والتقاليد التي تميز العرب عن غيرهم لذا يأتي فخر العربي الأصيل ببداوته التي يرى فيها أنفته وشموخه على قمم رمال الصحراء وجبالها، وهو يطلق العنان لبصره في الأفق يرقب أبله ويتأمل جمال الكون والصور المترادفة للجمال الطبيعي الذي يبدأ بانشقاق نور الصباح، حتى حمرة الشفق وروعة قبة السماء فالليل بنجومها وقمرها ومن تلك الجماليات أستمد المعرفة في تحديد المواقع والمواقيت واستمد الصبر والشجاعة والتكيف مع متغيرات الصحراء المترادفة، لقد عشق ابن البادية الصحراء بفطرته وأعطته المعرفة والفراسة والدهاء، يقول الشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن: يا بنت أنا للشمس في جلدي حروق وعلى سموم القيض تزهر حياتي أطرد سراب اللال في مرتع النوق ومن الظما يجرح لساني لهاتي