تحدث جرائم الاعتداء الأسري نتيجة الكثير من العوامل مثل سوء التربية وفساد الجانب الأخلاقي والإنساني وتعاطي المخدرات وضعف الوازع الديني بشكل عام، ولا شك أن تعدد الأسباب التي تؤدي إلى ظهور مثل تلك الحالات يقودنا إلى ضرورة مواجهة المشكلة في بدايتها والتعامل معها بشيء من الحكمة والعقل لأجل السيطرة عليها وعلاج الفرد سواء نفسياً أو من الإدمان وتهيئة البيئة المحيطة به لاستقباله بعد شفائه حتى لا يعود إلى مثل تلك الأفعال مرة أخرى بدلًا من معاقبته من أسرته وهذه إشكالية معقدة. وكما أسلفنا فإن التعامل مع قضايا الاعتداء الأسري من الأمور التي تحتاج إلى الكثير من الحكمة لأنه قد يترتب على العقوبة آثار سلبية في محيط الأسرة الواحدة لا يمكن معالجتها بعد تنفيذ العقوبة، وإذا تعذرت سبل المعالجة بالحكمة داخل نطاق الأسرة وجب اللجوء إلى الجهات المختصة بقضايا الاعتداء الأسري مع تقديم ما يثبت صدق المدعي وعدم تناقض الدعوى، والتأكد من توافر الأهلية في المدعي، فلا تصح من المجنون أو الصغير أو من في حكمه من المرضى النفسيين أو مدمني المخدرات الذي يؤثر المرض أو التعاطي على إرادتهم وتصرفاتهم وإلا أصبحت الدعوى غير صحيحة. ونعتقد أنه إذا كانت دعاوى الاعتداء الأسري لا يقصد منها سوى الإساءة إلى المدعى عليه وتشويه سمعته في ردهات المحاكم، فلا شك أن المدعي يضع نفسه تحت طائلة العقوبة في حالة عدم صحة الدعوى أو كيديتها، حيث نصت المادة الثالثة من نظام المرافعات الشرعية في فقرتها الثانية على أنه (إذا ظهر للمحكمة أن الدعوى صورية أو كيدية وجب عليها رفضها ولها الحكم على من يثبت عليه ذلك بتعزير) ونصت اللائحة التنفيذية في المادة الثالثة فقرة (6) (يكون الحكم بالتعزير لكيدية الدعوى أو صوريتها مع الحكم برفض الدعوى إن أمكن ويخضع لطرق الاعتراض)، مع احتفاظ المدعى عليه بحقه في المطالبة بالتعويض عن الضرر إن وجد. ونخلص إلى أن اللجوء إلى القضاء في قضايا الاعتداء البدني أو المعنوي التي تُرفع من أفراد الأسرة على بعضهم البعض سواء كانوا أصحاء أم مرضى نفسيين أو مدمني مخدرات، يخضع لمعيار صحة الدعوى من عدمه شكلا وموضوعا، فينظر القاضي في حالة رافع الدعوى كون مرضه النفسي أو إدمانه يؤثر في أهليته وإرادته، وهذا أمر تقديري للقاضي يستعين فيه بأهل الخبرة من الأطباء والمختصين لتحديد أهلية المدعى من عدمها، ثم بعد ذلك ينظر في صحة موضوع الدعوى واستنادها إلى وقائع صحيحة من خلال طرق الإثبات العامة، وتبقى حجية التقارير الطبية في بعض الحالات قاصرة على إثبات حدوث الإصابة وليس دليلا على محدثها.