يلجأ بعض ضعاف النفوس إلى حبك مكائد من أجل رفع دعاوى كيدية ظلماً وبُهتاناً على أشخاص قد يرتبطون بهم إما بصلة قرابة، أو شراكة؛ وذلك بسبب حقد في أنفسهم، ما يؤذي المُدعى عليه، ويُعطلّه عن الحصول على مصالحه وحقوقه، كإرثٍ، أو حضانة وخلافه. وتزايدت في الآونة الأخيرة أعداد القضايا المتضمنة "دعاوى كيدية" داخل أروقة المحاكم.. "الرياض" عبر هذا التحقيق تستطلع آراء المختصين؛ لإيجاد الحلول المناسبة للمتضرر من الدعوى الكيدية، وبحث كيفية رد اعتباره، وأخذ حقه من المتسبب، إلى جانب مناقشة الوسائل الكفيلة بالحد من تزايدها. مجانية القضاء في البداية، أكد "د.ماجد قاروب" -محامي- على أن جميع الأنظمة القضائية والأوامر الملكية حثت على الحد من القضايا الكيدية، خاصة في القضايا العائلية والتركات، حيث تزايدت بسبب مجانية القضاء وسهولة إقامة القضايا، ذاكراً أن انتشارها سواء من قبل النساء والرجال أمر يزعج المحاكم ويرهقها بقضايا وهمية، ويضغط على أصحاب الحقوق في محاولة الحفاظ على حقوقهم المشروعة، مشيراً إلى أنه إذا لم يحكم القضاء ضد أصحاب الدعاوى الكيدية بشكل حاسم ورادع؛ فإن الوضع سيسير على ما هو عليه باستمرار المدعين كيدياً على مناهجهم. وقال إن ما نسبته من (10 إلى 15%) من حجم القضايا العائلية والأسرية والشركات والتركات تصنّف قضايا لدعاوى كيدية في المحاكم، وتدخل في هذا الإطار المؤسف المعرقل لقيم العدالة ومنجزاتها، مطالباً السلطة القضائية والأجهزة الأمنية بالتصدي لمن يقيم تلك الدعاوى المزعجة، ومنع المحامين من التجاوب تجاه إقامتها، وذلك من خلال عقوبة عبر مسارين الأول ضد من رفع تلك الدعاوى الكيدية، والآخر منح المُدعى عليهم بتعويضات مالية ومعنوية؛ لجبر الضرر والحد من الخسارة. وأضاف:"يجب على كل قاضي تتبيّن له صورية الدعوى أن يحيلها إلى إمارة المنطقة، ويخطرهم باكتشاف كيديتها لتبدأ من جانبها باتخاذ الحق العام في مواجهة كل من يدّعي مثل هذه النوعية من الدعاوى الباطلة"، لافتاً أن من مثل هذا النوع من الدعاوى يهدف إلى الضغط والتآمر على أصحاب الحقوق وتعطيل مسارها مستفيدين من التنازع السلبي والإيجابي للاختصاص بين المحاكم، وبطء اجراءات التقاضي في حالات أخرى؛ لتحقيق مصالح ومآرب من خلال السلطة القضائية. وأوضح أن الدعاوى الكيدية تتنوع ما بين ادعاءات اختلاس أموال، أو تعرض لفظي، أو قذف، أو سرقة، داعياً أن يوضع المُدعي تحت طائلة الخطر من العقوبة الجنائية أمام المحكمة الجنائية، مستشهداً بقضية تركة مشهورة في مدينة جدة، تحولت إلى 36 قضية أمام مختلف أنواع المحاكم واللجان القضائية في مختلف مناطق المملكة، وهذا يدل على أنه من الممكن أن يؤدي التنازع الإيجابي أو السلبي والمكاني للمحاكم إلى هذه النوعية من الممارسات القانونية السلبية. وأشار إلى أن أمام كل قضية طلب طلاق أو حضانة أو نفقة، نجد أن عدة دعاوى من الزوجين؛ والغرض منها تعطيل قضية أساسية أخرى مثل حضانة الأطفال، بينما توجد قضايا تتطعن في شرف وكرامة ونزاهة المرأة ولم تُحرّك ساكناً حينها، ولكن بمجرد طلبها الحضانة تتحول إلى امرأة سافرة ومتبرجة وغير مطيعة. أصل الدعوى وبيّن "ريان مُفتي" -محامي- أن الإجراءات القضائية للدعاوى الكيدية يكون الأصل فيها أن لا ينظُر القاضي إلاّ لأصل الدعوى المرفوعة من المُدعي، وفي نفس المضمون المُتضمن بلائحة دعواه، وبذلك ينظُر القاضي في الدعوى بحسب ما تضمنته لائحة دعوى المدعي حتى لو طالب أو غيّر المدعي طلباته في الدعوى بشكل يخالف مضمون دعواه، فالقاضي لايقبل بها، ولو كان المدعي ليس هو صاحب الحق في بعض أو كل دعواه، ويثبت للقاضي أن الحق للمُدعى عليه فلا يستطيع القاضي هنا الحُكم على المُدّعي باعتبار أن المُدعى عليه لم يلجأ إلى القضاء للمطالبة به. وأضاف:"الأصل أن الحق لا يُعطى إلى من لم يُطالب به، وإثبات الطلب هنا هو التقدم إلى جهة الاختصاص بصفة المُدعي وليس المُدّعى عليه، ولكن يستطيع القاضي الحُكم على المُدّعى عليه في حال أن ثبت لناظر القضية أن الدعوى المُقامة من المُدعي كيدية؛ للإضرار بالمُدّعى عليه"، مشيراً إلى أن الفقرة الخامسة من المادة الرابعة في نظام المرافعات الشرعية قد نصت على الآتي:"إذا ثبت لناظر القضية أن دعوى المُدعي كيدية؛ حُكم برد الدعوى، وله الحكم بتعزير المُدعي بما يردعه"، وهنا يكون من حق القاضي بالحكم على المُدعي بعقوبة تعزيرية، إما بالغرامة المالية، أو السجن، أو الجلد، بحسب تقدير القاضي حيالها. حق مكفول وأشار "بندر المحرج" -محامي- إلى أن التقاضي من حق الجميع، وهو أمر كفله النظام الأساسي للحُكم، وأكدته أنظمة التقاضي في المملكة وفق ضوابط محددة، بحسب نوع القضية وجهة اختصاصها، مبيناً أن البعض يسيء استخدام ذلك الحق بطريقة تعسفية مع آخرين. وقال:"شرع المنظم إلى كفالة حق الآخرين في دفع الضرر الواقع عليهم من إساءة البعض، وذلك بإقامة دعوى كيدية من خلال إصدار قواعد الحد من الشكاوى الكيدية، وجعل اختصاص النظر فيها قضاء لدى المحاكم الجزئية"، موضحاً أن من تضرر جراء دعوى كيدية رُفعت بحقه سواءً معنوياً أو أدبياً أو مادياً فله الحق في التقدم إلى "المحكمة الجزئية" إذا توفرت في المنطقة التي يقطنها، وإلى "المحكمة العامة" إن لم تتوفر "الجزئية" في منطقته؛ من أجل يرفع دعواه ويثبت الضرر مادياً، أما إذا كان معنوياً فقد يكتفي ناظر القضية بثبوت كيدية الدعوى الأصلية في حق المُدّعي بالدعاوى الكيدية. وبيّن أن المحاكم الجزئية نظرت وتنظر في مثل هذا النوع من القضايا، وتحكم فيه لصالح من تضرّر بسبب الدعوى الكيدية، موضحاً أنه اطلّع على بعض القضايا المحكوم فيها بتعزير بالغ بحق المُضر تجاه الضرر المعنوي، وكذلك أحكام تعزيرية مادية بليغة بسبب الأضرار المعنوية جراء شكواه الكيدية، مرجعاً أسباب وقوع مثل هذا النوع من القضايا الكيدية إلى ضعف الوازع الديني، والجهل بالأنظمة الرافضة لتلك الأفعال. وأشار إلى أن البعض قد يقيم دعوى ضد آخر، ولكنه لا يستطيع أن يُثبت حقه؛ لعدم وجود بينة لديه وفي هذه الحالة لا يمكن الجزم أن هذه الدعوى كيدية، ولذلك فإن مجرد ادعاء أحد على آخر بحق وعدم ثبوت هذا الحق لا يجعل هذا الادعاء كيدياً، مما يستوجب على ناظر الدعوى الكيدية التحقق من حيثيات الدعوى الكيدية، موضحاً أن ناظر القضية الأصلية في الدعوى الكيدية لا يمكنه الحكم في قضية رد الاعتبار؛ على أساس أنه نظر الأصل وهو ملم به، وبالتالي ينظر إلى الفرع الذي نشأ عنه؛ لأن الدعوى الكيدية دعوى مستقلة ولابد لإقامتها من تحرير دعوى لها، ذاكراً أن جهة الاختصاص بنظرها محددة نظاماً بجهة قضائية مستقلة، وكون الفصل في دعوى التعويض عن الدعوى أو الشكوى الكيدية الأصلية يحتاج إلى إثبات ما نتج عنها من أضرار أياً كان نوعها؛ وبالتالي فلابد من التوجه للجهة القضائية المختصة. د.ماجد قاروب ريان مُفتي بندر المحرج