توفي والد أحد الأصدقاء في حادث سيارة وذهبت لتعزيته.. كان في خاطري الكثير من الكلام الذي قد يسري عنه.. لكنني خشيت من ألا تحتمل اللحظة مثل هذا الكلام. فما كنت أنوي قوله ليس تقليديا وليس بالتأكيد عبارات العزاء المألوفة. كنت أريد أن أضعه أمام أسئلة قد تسري عنه. تلك الأسئلة التي تفترض أن الموت ليس قدرا سيئا عندما يصطف بجوار احتمالات أخرى أبشع منه. كنت أريد أن أقول: ماذا لو لم يمت والدك بحادث وأصيب بمرض خطير يقتله كل يوم على مدى سنوات؟ ماذا لو دخل في غيبوبة وبقي روحا معلقة معذبة على بوابة الآخرة؟ أسئلة كثيرة تخفف من وقع الموت السريع وتجعله يدا رحيمة تنقل المتوفى من حياة إلى أخرى. موت الفجأة فاجعة لأحباب الميت لكنه رحمة به. انتقل الى الدار الآخرة وهو بكامل عافيته. لم يعان ولم يتعذب ولم يعش عالة على أحد. أتذكر أحد كبار السن كان يقول: "لا يخيفني الموت بقدر ما يرعبني العجز". مشكلة الإنسان أنه مخلوق أناني ولا يعرف أنه أناني. يريد من يحب بجواره حتى لو كان يعاني أقسى أنواع الألم. يخشى أن يرحل هذا الشخص فيبكيه ويتألم على فراقه. هو في الواقع لا يبكي على الراحل لكنه يبكي على نفسه التي فقدت هذا العزيز. يتألم من الفراغ الذي تركه له الميت في حياته وليس على الميت ذاته. أتذكر الآن قصة وفاة الممثل الجميل روبين ويليامز كما روتها زوجته. كتبت تفاصيل أيامه الأخيرة بلغة مدهشة تنقل للقارئ شيئا من تلك اللحظات الحزينة التي عاشتها معه. عندما انتحر روبين قال الجميع كيف لممثل كوميدي يضحك الناس أن يركله الاكتئاب الى حافة الانتحار؟.. ما لم يعرفه أحد أن ويليامز كان يعاني من مرض عصبي بشع يدعى مرض "ليوي"، يصف الأطباء آلام المريض بأنها أشبه ما تكون بأن يصاب الإنسان بالسرطان في كل جزء من جسمه.. قاتل روبين ويليامز المرض ببسالة منقطعة النظير وحاول جاهدا التعايش معه.. استخدم كل خبرته في التمثيل ليخفي ألمه حتى عن عائلته، لكنه استسلم في النهاية ووضع حدا لحياته.. وبعد تشريح جسده، اكتشفت زوجته حقيقة الوجع النفسي والجسدي الذي فاق قدرته على التحمل. الموت مخيف ومؤلم لكنه ليس أبشع ما قد يصيب الإنسان.. وإذا ابتلاك الله بفقد عزيز فحاول أن تخفف عن نفسك بسؤال: ماذا لو؟؟!