الموقف السعودي في لبنان بعد انتخاب الرئيس ميشال عون، وتكليف دولة الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة؛ لا يزال متمسكاً بثوابت اتفاق الطائف في تحقيق الاستقرار، والوحدة، والتوافق بين المكونات السياسية، وبقاء لبنان في محيطه العربي، واحترام ميثاق جامعة الدول العربية، وتعزيز قراره وإرادته المستقلة، من دون تدخل في الاختيار، أو الضغط السياسي لمكون على آخر، وهو ما ترجمته رسالة التهنئة من خادم الحرمين الشريفين للرئيس اللبناني، وانفتاح المملكة على لبنان المستقبل بعد عامين ونصف من الفراغ الرئاسي. ورغم أن التفاؤل كبير بما تحقق توافقياً في لبنان، إلاّ أن هذا التوافق وتقاسم الأدوار لا يزال مكبلاً بالوعود التي يصعب التراجع عنها وسط محيط إقليمي مضطرب؛ فالرئيس عون ملتزم مع "حزب الله" بعدم إدانة أو رفض تدخله في سوريا، أو تغيير الموقف من سلاحه، و"الحريري" ملتزم بتشكيل حكومة وطنية من دون إقصاء لأحد بما فيهم "حزب الله"، وتوزيع مرضي للحقائب السيادية بين الكتل السياسية، و"نبيه بري" رئيس مجلس النواب ملتزم هو الآخر بمواقفه التاريخية مع "حزب الله"، وخوض معركة القانون الانتخابي لتأمين عدالة التمثيل قبل موعد الانتخابات المقبلة. هذه الحسابات الدقيقة، والضيقة لمصالح قوى على حساب المجموع الوطني؛ يقف فيها "حزب الله" متقاطعاً مع كافة خطوط السلطات الثلاث؛ والمتحكّم الأوحد في تيسير الأمور، وتعقيدها، وربما تشتيتها إذا ما أراد، وهذا مؤشر خطير على أن قرار لبنان مختطف، ومخترق، رغم سياسة النأي عن النفس التي لم تكن كذلك و"حزب الله" يقاتل في سورية، بل ليست كل ذلك وإيران تتحكّم في شؤونه الداخلية والخارجية، وتمارس أجنداتها للاصطفاف معها في مشروع تصدير ثورتها الطائفية، والخروج عن الموقف العربي، كما حصل في صمت لبنان المخجل في إدانة حرق السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد. الرئيس عون -في خطاب أداء القسم- مدرك للخطر، ولكنه عاجز عن مواجهته، أو حتى تسميته، قائلاً: "لبنان السائر بين الألغام، لا يزال بمنأى عن النيران المشتعلة حوله في المنطقة، ويبقى في طليعة أولوياتنا منع انتقال أي شرارة إليه.."، ولكن الواقع أن الشرارة في لبنان أصبحت أداة تهديد وتعطيل لمصالح الدولة العليا من قبل "حزب الله"، وتدخل في قراره وسيادته لخدمة إستراتيجية إيران في المنطقة، ولذا من يراهن على تحالف "عون والحريري" في مواجهة "حزب الله"؛ سيجد نفسه مثقلاً بالتزامات واستحقاقات المرحلة التي لن تغيّر من الأمر شيء سوى الحفاظ على كيان الدولة، ومؤسساتها، وبالتالي سيبقى النأي سياسة للتبرير في كل حادثة أو أزمة ننتظر فيها عودة لبنان المنحاز لعروبته!. نحن في المملكة لا ننتظر من لبنان ردّ الجميل في مواقف سياسية ودعم مالي غير مسبوق منذ استقلاله، ولكن نطلب حفظ ذلك الجميل الذي وثّقه التاريخ على تعاقب أجياله ورموزه.