بعد ترأسه للحكومة اللبنانية العلاقة بين لبنان وسوريا شائكة ومعقدة ومنطلقاتها مختلفة ومتباينة ومن الصعب أن تلتقي وجهة نظر الحكومتين بمكونتها الحالية ، إلا من خلال معجزة أو تنازلات كبيرة من أحد الطرفين فمن يكون ياترى .. هل تتنازل سوريا في ظل الضغوط الدولية عليها أم تستقوي بإيران ودعمها العلني لها .. وهل تتمكن الحكومة الحالية في لبنان برئاسة سعد الحريري من الثبات على ثوابتها ومبادئها التي قام عليها تيار المستقبل الذي يرأسه أيضاً سعد الحريري .. أم يحدث فك إرتباط بين سعد الحريري كرئيس للحكومة ورفاقه ورفقائه في تيار المستقبل .. أم ما الذي سيحدث بالضبط .. موقع (القناة) الإحباري تناول الوضع من خلال التقرير التالي : منذ أن قرر سعد الحريرى القبول برئاسة الحكومة كان أركان فى تيار المستقبل قد بدأوا يعدون العدة لمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية التى هى بالفعل مرحلة جديدة مختلفة . سعد الحريرى رئيساً للحكومة هو غيره سعد الحريرى رئيساً لتيار المستقبل، فرئاسة الحكومة فى ظل المعادلة التى أعقبت السابع من -أيار- كانت أشبه بتسوية طويلة الأمد يضطر فيها الحريرى للتخلى عن جزء هام من خطابه السياسى كما أنه يضطر للدخول فى مفاوضات مع سورية و(حزب الله) على اعتبار أنه أصبح الآن رئيس حكومة لبنان وليس زعيم تيار المستقبل . فى مرحلة التفاوض على تشكيل الحكومة كاد الحريرى يعتذر مرات عدة ليس بطريقة الاعتذار الذى أعقبه التكليف ولكن بطريقة الاعتذار النهائى وإعادة تكليف فؤاد السنيورة بتشكيل الحكومة الجديدة لكن التفاهم السعودى السورى الذى تولى فيه الأمير عبدالعزيز بن عبدالله التفاوض مع السوريين أدى إلى تذليل العقبات أمام تشكيل الحكومة وأصبح الحريرى أمام استحقاقات كبيرة تركت أثراً مباشراً على تياره سياسياً وغير سياسى، وهذا الأثر ظهر جليًا فى الانتخابات البلدية الأخيرة وكان أحد الأسباب التى أدت إلى ظهور المستقبل بمظهر غير القادر على إمساك زمام الأمور فى المدن والقرى ذات الغالبية السنية . قبل ذهابه إلى دمشق كلف سعد الحريرى إحدى الشركات الإحصائية الموضوعية بالقيام باستطلاع آراء مناصريه فتبين له أن مبدأ الزيارة يحظى بأغلبية واضحة لكن النتائج التى ستسفر عنها هى ما ركزت عليه آراء المستطلعين الذين رفضوا بأغلبية واضحة أى تنازل حقيقى فى موضوع المحكمة الدولية وتصحيح العلاقة اللبنانية السورية . وبعد سيناريو الزيارات المتكررة تبين للحريرى أن تيار المستقبل لم يستطع أن يتطبع مع المصالحة مع سورية خصوصاً أن الأخيرة لا تزال تمارس السياسة ذاتها التى مارستها مع رفيق الحريرى فهى تترك لحلفائها فى لبنان مهمة الهجوم على سعد الحريرى وتضع نفسها فى موقع الحكم المحايد المزيف الذى يمارس كل أشكال الضغوط وكل ذلك أثر على قواعد تيار المستقبل . فور تولى الحريرى رئاسة الحكومة وجد أن عليه أن يقوم بحملة دفاع شرسة لكى يحمى فريقه السياسى والإعلامى وهم أقرب المقربين منه كمستشاره هانى حمود والنائب السابق باسم السبع وأحمد فتفت ومصطفى علوش وغيرهم من القيادات التى طلب السوريون قص أجنحتهم وفى إحدى المرات تعرض الحريرى لضغط مباشر كى يدخل وسائل إعلامه فى هدنة طويلة وطلب من الإعلاميين المحسوبين عليه أن يلتزموا بمفاعيل التهدئة مع سورية على قاعدة أن كل صوت منهم إذا تكلم أو كتب مقالاً فإن ذلك يبدو أن سعد الحريرى هو الذى كتب المقال أو قال الكلام وبالتالى سيظهر وكأن الحريرى إما يغمز لإعلامييه بأن يستمروا فى انتقاد سورية أو أنه غير قادر على ضبطهم وبالتالى اضطر الحريرى لأن يترجم علاقته الجديدة مع سورية بضبط فريقه ووصلت الأمور إلى حد أن الكثير من الإعلاميين والكوادر والنواب منعوا من إجراء مقابلات فى تلفزيون المستقبل تفادياً لأن يخرق أحد منهم الصفحة الجديدة التى كرر الحريرى أنه مزمع على فتحها مع سورية . ولكن فى المقابل ماذا حدث ؟ استمر الفريق الموالى لسورية بشن أسوأ الحملات على فريق الحريرى نفسه فوضع فؤاد السنيورة فى رأس القائمة، حيث تولت وسائل إعلام (حزب الله) وسياسيوه وجريدة (الوطن) السورية تكرار اتهامه بشتى أنواع الاتهامات ومورست ضده حملة منسقة لمحاكمة حكوماته وللطعن فى قراراتها ولربطه بالمشروع الأميركى وبموازاة ذلك استمر هذا الفريق بالهجوم على حلفاء الحريرى وأبرزهم سمير جعجع ووجه بطلبات واضحة لفك تحالفه معه فأعطى هذا المشهد صورة سلبية لدى قواعد تيار المستقبل مفادها أن زعيم التيار مضطر لتقديم التنازلات لسورية وحلفائها بسبب ترؤسه لهذه الحكومة ورغبته فى إنجاح مهمتها ولو بالحد الأدنى . إزاء هذا الواقع ماذا فعل الحريرى ؟ قام سعد الحريرى منذ توليه الحكومة بانتهاج سياسة حذرة ولكنها صلبة وهادئه إعلاميًا فى آنٍ، فهو إلى اليوم لم يبرهن عن أية نية بفك تحالفه مع مكونات (14 آذار) ولهذا تعمد أن يقول جملته الشهيرة: -لن يفرقنى عن حلفائى إلا الموت- فى رسالة واضحة إلى سورية بأن ما يجرى اليوم هو مجرد مرحلة انتقالية لن تشهد انقلاباً عن (14 آذار) . وعلى الصعيد العربى والدولى انتهج الحريرى سياسة توسيع العلاقات واستثمارها وأولها العلاقة المتينة مع المملكة العربية السعودية التى رعت الاتفاق مع دمشق كما أنه توجه إلى العالم فى زيارات لافتة أبرزها للولايات المتحدة الأميركية، حيث قدم التزاماً لبنانياً بامتناع عن التصويت ضد العقوبات على طهران . أما على الصعيد الداخلى فقد التقى الحريرى أمين عام (حزب الله) السيد حسن نصرالله مرتين حاول فيهما جس نبض (حزب الله) تجاه ما سيصدر من المحكمة الدولية كما حاول ترتيب اتفاق على طريقة تصويت لبنانى فى مجلس الأمن وتبين لاحقاً أن نصرالله طمأنه ضمنياً وعاد وأوعز إلى وزراء -8 آذار- بأن يصوتوا مع قرار رفض العقوبات على إيران . أما المحطة الأبرز التى تنتظر الحريرى فهى ستكون صدور القرار الاتهامى للمحكمة الدولية الذى بات من المرجح أن يتهم عناصر وكوادر فى (حزب الله) فما هو الموقف الذى سيتخذه الحريرى إذا ما قام (حزب الله) بعد صدور القرار بالطلب إليه للتنصل من المحكمة واتخاذ الخطوات والقرارات داخل الحكومة الكفيلة برفع الغطاء اللبنانى الرسمى عنها ؟ الواضح أن أداء الحريرى بما يختص بالمحكمة الدولية سيترك أثره المباشر على تيار المستقبل الذى ينتظر كما كل اللبنانيين معرفة الحقيقة فى اغتيال والده رفيق الحريرى فالاتجاه داخل تيار المستقبل يدل على أن أية مهادنة أو أية محاولة لتسخيف هذا القرار ولجعله مجرد اتهام لعناصر قاموا بمبادرة فردية بالاغتيال سيؤدى إلى خسارة سياسية كبيرة للحريرى كما سيؤدى إلى هز مصداقيته أمام جمهوره خصوصا أنه أعلن مسبقًا أنه ملتزم بكل ما سيصدر عن المحكمة سواء برأت (حزب الله) أو سورية أم أدانتهما . ويمكن القول إن تيار المستقبل وسعد الحريرى دخلا فى اختبار حقيقى بدأ منذ انتهاء الانتخابات النيابية للعام 2009 ومر بلحظة حرجة فى الانتخابات البلدية وهو مرشح لأن يستمر طالما استمرت المرحلة الانتقالية . فى الانتخابات البلدية لم يكن تيار المستقبل مستعدًا لخوضها فالحريرى الذى يمر بأزمة سيولة مالية تقدرها بعض المعلومات بأنها تبلغ رقم مليار ومائة مليون دولار أوقفت تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والإنسانية، والتيار الذى انخفض خطابه السياسى بات يعانى من أزمة المرحلة الانتقالية الناتجة عن تولى الحريرى لرئاسة الحكومة كذلك فإن الوضع التنظيمى للتيار ليس بأفضل حال إذ لا تزال مساعى تشكيل هرمية تنظيمية تراوح مكانها . فى ظل هذه الأجواء خسر تيار المستقبل بلديا فى قرى وبلدات البقاع الغربى وفى الضنية وعكار ما أدى إلى حصول هزة داخلية وتحميل مسؤوليات بالتقصير وأدت خسارة المستقبل فى بلدة النائب فتفت وهى سير الضنية وفى بلدات حلب وغيرها إلى تحميله مسؤولية الخسارة ولما أتى توقيت إجراء الانتخابات الفرعية قرر الحريرى أن تتوجه الماكينة المركزية للتيار فى بيروت إلى الضنية لإدارة المعركة وطلبت هذه الماكينة -أحمد الحريرى- من فتفت أن يترك لها كيفية إدارة الانتخابات فاعتبر ذلك تحديا له وحين طلب أن يظهر على شاشة تلفزيون المستقبل مساء يوم الانتخابات ورفض طلبه قرر تقديم استقالته فى اليوم التالى فرفضها الحريرى وأعلن تمسكه بفتفت . فى جلسة ضمت بعض قياديى تيار المستقبل وناشطين فى (14 آذار) سئل قياديو المستقبل: هل قررتم التضحية بصقور فى المستقبل أمثال مصطفى علوش وأحمد فتفت بسبب عدم قدرة الحريرى على تحمل سقفهم العالى الذى يؤثر على علاقته الجديدة بسورية فأجابوا بأن ما جرى مع النائب فتفت لا يعد وكونه مشكلة تنظيمية ولا علاقة له بأى مسار جديد داخل التيار، فالحريرى يدرك أن حكومته تعبر عن مرحلة انتقالية مفتوحة على كل الاحتمالات، وواهم من يعتقد سواء كان سورية أم (حزب الله) بأن الحريرى سيفرط بأوراق القوة داخل تياره وداخل (14 آذار) فهذا خط أحمر لا يمكن القفز فوقه .