قبل أحد عشر عاماً وتحديداً في شهر ديسمبر من عام 2005 ولد المشروع الإعلامي الروسي الخارجي المعروف الآن ب"روسيا اليوم". كان السبب المعلن هو نقل حقيقة روسيا للعالم بعد أن شوهها الإعلام الغربي. تقول سفيتلانا ميرونيوك، مديرة وكالة الأنباء الروسية: "للأسف الشديد الصورة النمطية لروسيا على مستوى الوعي الجماهيري الغربي تتمثل في ثلاثة أمور: الشيوعية والثلج والفقر!" ولذلك عملت الحكومة الروسية على تأسيس هذه القناة التي يقف خلفها بكل ثقله، الرئيس فلاديمير بوتين منطلقا من إيمانه العميق بقوة التلفزيون خصوصا والإعلام بشكل عام على توجيه الرأي العام في العالم. ولذلك تبنى بوتين هذه القناة ودعمها بشكل كبير حتى إنه أصدر قرارا في عام 2012 بعدم المساس بميزانية قناة روسيا اليوم حتى في ظل الانخفاض الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد. تدرجت هذه القناة في النجاح ومشت بخطوات ذكية وموزونة وتحولت من قناة صغيرة إلى امبراطورية إعلامية مهمة تأتي الآن في المرتبة الثانية كأكثر القنوات الأجنبية مشاهدة في أمريكا بعد بي بي سي. غزو القناة الإعلامي استهدف مئات الدول حول العالم فبالإضافة لقناتها الأمريكية تبث أيضا من بريطانيا وأصدرت نسخة باللغة الأسبانية تغطي أمريكا اللاتينية وأسبانيا بالإضافة إلى قناتها العربية التي تستهدف العالم العربي وقناة باللغة الألمانية. الهدف المعلن كما ذكرت هو تحسين صورة روسيا في الخارج وبحسب تصريح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين فإن هذه القناة تهدف الى "فك الاحتكار وإنهاء التلاعب الإعلامي الانغلوسكسوني بعقول المشاهدين، عبر نقل الحقيقة دون تحيز" لكن مالم يقله بوتين أن هذه القناة هي قوة ناعمة تستخدمها روسيا بالتوازي مع أجنداتها وخططها الخارجية. ومن يتابع روسيا اليوم بكافة منتجاتها يلاحظ توجيهاً ذكياً للمتلقي يتسق مع الهوى الروسي. كما تتميز بطرحها الاحترافي معتمدة في ذلك على فريق من 300 صحفي متميز. وتحرص إدارة القناة على توظيف إعلاميين من أبناء المنطقة المستهدفة لجعل رسالتها أكثر قبولا. ولذلك استقطبت المذيع الأمريكي المخضرم لاري كنغ قبل ثلاثة أعوام ليقدم برنامجه الحواري على شاشاتها. قناة (آر.تي) لم تكتف ببثها التلفزيوني بل هي نشيطة أيضا على الانترنت عبر موقعها وتطبيقها على الهواتف الذكية بالإضافة إلى نشاط استثنائي على وسائل التواصل الاجتماعي إذ يتابع حسابها على تويتر باللغة الأسبانية مثلا، أكثر من مليون وست مئة ألف شخص. وأخيرا، الغرض من الاستعراض السابق لتجربة "روسيا اليوم" هو فقط طرح لنموذج نجاح كبير من الممكن أن يستنسخ محلياً في مجال الإعلام الخارجي الذي لم نستوعب حتى الآن مدى أهميته في تحريك الرأي العام العالمي والتأثير على القرارات وحتى تعديل صورتنا المشوهة جدا في الخارج.