يثور التساؤل حول مدى فعالية تأثير الدور المنظم لأصحاب المصالح في توجيه مسار اللوائح والقرارات والتعليمات التنظيمية وتوظيفها لخدمة مصالحهم مقارنة بالدور المحوري "المفقود" للأدوات التي يفترض أن توصل صوت المواطن العادي؛ نقول ذلك ليس باعتبار المواطن وحده ملزما بمقتضيات ما يرد في هذه السياسات التنظيمية من خطاب، لأن ذلك يسري كذلك على أصحاب المصالح ومصالحهم حتى في ظل التسليم باعتبارهم قوى مؤثرة؛ ولكن باعتبار أن المواطن والذي يمثل الشريحة الغالبة الموجه لها في الأخير هذا الخطاب يعاني من ضبابية فعالية أدوات توصيل صوته لصانع القرار نتيجة غياب دور مؤسسات المجتمع المدني، وذلك في صورة لا تعكس ما هيأته الدولة - رعاها الله - لهذا الجانب من بنية تشريعية حديثة؛ أقول ذلك حتى في ظل عدم إنكار الدور المؤثر لبيئة المال والأعمال في "رسم" مسار بعض من السياسات التنظيمية وتوجيه خطابها لخدمة مصالحهم نتيجة لما يحظى به تجمعهم من رؤية مؤسساتية منظمة عبر الغرف واللجان التجارية والتي تنقل وتعبر عن تجمعهم وتوصل صوتهم لصانع القرار؛ وان كنت أزعم أن ذلك يظل ضمن دائرة العامل التحفيزي لها للقيام بدورها التنموي الوطني ودون أن يترتب على ذلك أي تأثير يؤدي إلى المساس بمصالح المواطنين أو الإضرار بهم. ولتقريب الصورة نستشهد بما قام به أحد الوزراء المكلفين بوزارة الصحة سابقا عندما ألغى قرارا كان يحدد ألا تقل المسافة بين الصيدليات عن (250) مترا في جميع الاتجاهات، سواء عند الترخيص لفتح صيدليات جديدة أو نقل موقع أو ملكية الصيدليات؛ وقد جاء في حيثيات القرار أن سبب إلغاء شرط المسافة جاء متسقا مع مقترحات ملاك الصيدليات وهذا لا يحتاج لتعليق! لكن أن يعزى الجزء الآخر من التسبيب إلى توفير الخدمة العلاجية للمواطن، فذلك يقتضي القول بأن الرعاية الصحية أولى وتأتي قبل توفير الرعاية العلاجية غير المجانية؛ فإلغاء شرط المسافة بين الصيدليات والذي كان يفترض على العكس زيادة مسافته إلى (1000) متر وان يربط ذلك بالكثافة السكانية، نتج عنه أن انتشرت الصيدليات بشكل ملفت في الشوارع الرئيسية والفرعية وشوارع الأحياء كالبقالات؛ فظاهرة انتشار الصيدليات وكثرتها ووجودها بجانب البعض لا يعكس الحاجة الفعلية لها ولا يحقق الغاية من توفير العلاج ليكون في متناول الجميع بأسعار عادلة؛ بل على العكس يكفي الاستشهاد بأن كثيرا من الصيدليات لا يتوفر لديها بعض الأدوية الضرورية مقارنة بتسابقها على بيع المستحضرات التجميلية والإكسسوارت؛ فالصيدليات إضافة لما سبق تمارس دور التطبيب ووصف العلاج وبيعه دون وصفات طبية بالمخالفة للمتطلبات المهنية والنظامية، مما جعل منها منصة لتمرير الأدوية المغشوشة وتصريف الأدوية المنشطة والمخدرة غير المسموحة؛ هذا فضلا عن ما تكشف مؤخرا عن قيام الصيدليات ببيع الفيتامينات والمكملات الغذائية بأسعار مضاعفة ولا تقارن بما هو موجود على مواقع التسويق الإلكترونية. ان القرارات واللوائح التنظيمية إنما تهدف للتنظيم وغايتها المصلحة العامة دون تغليب لمصالح طرف على أطراف أخرى، وبالتالي من غير الصحيح إلغاء شرط المسافة تحت ذريعة التيسير على الناس كتبرير للاستجابة لقوة ضغط شركات الأدوية لتمرير الفوضى التنظيمية، والتي ساهمت في الانتشار العشوائي للصيدليات؛ ولهذا وبجانب التجاوزات غير النظامية نقول كثر الحديث عن ربما وجود ممارسات غير مشروعة خفية تقف خلف انتشار الصيدليات، وبالتالي الأمر يحتاج إلى مبادرة الجهات المعنية لبحث ودراسة ذلك باستفاضة لمعرفة مدى وجود التبعات الأمنية والقانونية التي تقف خلف هذا الانتشار غير الصحي للصيدليات. [email protected]