تكتظ طرقاتنا السريعة والداخلية في المملكة يومياً بملايين الشاحنات التي تحمل أطناناً من البضائع والسلع قاطعةً ملايين الكيلو مترات، حيث يعد النقل الثقيل أحد العناصر الهامة في الاقتصاد الوطني والتنمية بمختلف مجالاتها. ومع الاعتماد الواضح في المملكة على النقل البري المتمثل في الشاحنات "لغياب بديل آخر"، فقد تسببت الزيادة الكبيرة في أعداد الشاحنات في كارثية الحوادث التي تسببها تلك الشاحنات في حال اصطدامها بسيارة صغيرة أو حتى حافلات،فالتباين في الحجم والقوة بين الشحنات وغيرها خلف وراءه حالات مفجعة في أعداد الموتى جراء الحوادث. أستاذ الهندسة المدنية المشارك (سابقاً) في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن والمتخصص في الهندسة المرورية الدكتور شكري بن حسن السنان، سلّط الضوء على الجوانب الفنية والمرورية المسببة لحوادث الشاحنات وكيفية تقليص أضرارها، وذلك من خلال دراسة علمية خصّ بها "الرياض". السرعة والتحكم بها.. كيف؟ تناول د.شكري السنان في دراسته محور السرعة لأهميتها ولكونها عموماً المسبب الرئيس للحوادث سواء أكانت شاحنات أم سيارات صغيرة، وبين أن سرعة الشاحنات تُقنن على الطرق وخاصة السريعة لتكون أقل من سرعة السيارات أملاً في السيطرة على الحوادث التي تسببها هذه الشاحنات، لافتاً إلى أن لهذا التوجه ما يبرره، فمقدرة الشاحنة على التوقف في الوقت المناسب والتحكم فيها عند حدوث أي طارئ أمران مطلوبان، إلا أن هذين الأمرين ليس مرتبطين بالسرعة فقط، وانما لهما علاقة أيضاً بالفرامل وطريقة عملها، فعند اضطرار الشاحنة للتوقف يكون هناك ثلاثة متطلبات واجب توفيرها في الفرامل، الأول هو التوقف في مسافة معقولة، والثاني التحكم في حركه الشاحنة أثناء كبح هذه الفرامل، كتغيير المسار أو الخروج من الطريق للتوقف الاضطراري دون فقدان السيطرة،والمطلب الثالث فهو تفادي انزلاق القاطرة والالتفاف على المقطورة، وهو ما يعرف ب (Jackknifing). فقد تأكد من خلال التجارب الميدانية والبحوث هو أن توفر الفرامل المانعة للقفل (Anti-lock Brake System) له علاقة مباشرة بالمطلبين الأول والثاني، أما المطلب الثالث فيتحقق بفعالية وصلاحية الفرامل. تباين السرعة أشار د.شكري إلى أن معظم الباحثين في السلامة المرورية يتفقون على ان وجود تباين أو فرق كبير بين سرعتي الشاحنات والسيارات الصغيرة الأخرى على الطرق السريعة يشكل خطراً ويكون مدعاة للاصطدام بالشاحنات من الخلف، وكلما زاد هذا الفارق زاد الخطر، لذا وجب تقنين سرعة قصوى وسرعة دنيا وذلك بوضع شاخصات تبينهما، أي أنه ليس من المجدي أن يكون هناك فرقاً كبيراً مقنناً بين هاتين السرعتين، وعلى الطرق السريعة يكاد يتلاشى هذا التصنيف بين الشاحنات والسيارات مع وجود التقنية العالية للفرامل المتطرق لها آنفاً، أما إذا لم توجد هذه التقنية فإن وجود هذه الشاحنات على الطريق يعتبر خطراً مطلقاً وخاصةً عند السرعات العالية. وتناول د.شكري سرعة الشاحنات الفعلية والملحوظة على طرقنا في المملكة، مبيناً بأن الاتجاه غير الطبيعي لحجم ووزن الشاحنة والذي بدوره يؤثر على سير الشاحنة وبالذات سرعتها، لافتاً إلى أن الفارق بين سرعة هذه الشاحنات والسيارات الصغيرة يصل أحياناً الى 60 كلم/الساعة، مشدداً على أن هذا الفارق يسبب إرباكاً في السير، بل ويؤدي إلى وقوع الحوادث وبالذات حوادث الاصطدام من الخلف، ولتلافي هذا الوضع على المستوى العالمي دفع المسؤولين إلى وضع شاخصات على الطريق تحدد السرعة الأدنى على الطرق السريعة بغض النظر عن تصنيف المركبة للتقليل من هذه الظاهرة. الأحمال والإرباك حذّر د.شكري من الأحمال التي تتجاوز الحد الصحيح،سواءً كانت طولاً أو عرضاً، فكثيراً ما نشاهد على الطرق شاحنات ذات أحمال خاصة مثل أنابيب ضخمة طويلة تتعدى طول الشاحنة من الخلف، وفي هذا المثال تزداد الأمور سوءاً،حيث نرى في كثير من الأحيان قافلة من عدة شاحنات واحدة تلو الأخرى وقد احتلت مسافة طويلة على الطرق السريعة في ظل غياب سيارات تحذيريه ترافق هذه الشاحنات،كما لا توجد شاخصات معلقة على الشاحنة تعلن بأنها "مركبة طويلة "، معتبراً أن هذا الوضع يشكل إرباكاً في السير،ويسبب الحوادث وعلى أقل تقدير يسبب ازدحاماً. وعي ومهارة السائقين وأكد السنان على ضرورة أن يكون سائق الشاحنة على مستوى ممتاز من حيث المقدرة على القيادة السليمة وبالأخص قيادة الشاحنة،فقيادتها تتطلب مهارات غير اعتيادية من حيث التحكم بالسرعة في ظروف مختلفة مثلاً على المنحنيات، وفي ظروف مختلفة أخرى حسب المكان والوقت، ونوه إلى وجود بعض المنحنيات فيها خطأً هندسي في تصميمها من حيث حدته،إلا ان بعض الشركات لم تتمكن من توجيه سائقيها كي يتخذوا الحذر مضاعفاً عند المنحنيات التي تعاني من مشكلات فنية،وهذا يكشف حقيقة هي أن السائقين لهذه الشاحنات في الأغلب غير مدربين لمثل هذه الظروف وخاصة إذا كانت الحمولة مادة خطرة كالوقود، فالخبرة والتدريب عاملان مهمان لتعزيز السلامة. الإرهاق والضبط المروري نبه د.شكري الى ان إرهاق السائق يعد سبباً مباشراً لكثير من حوادث الشاحنات، واستطرد : إرهاق سائق الشاحنة بفرض ساعات قيادة طويلة عليه يحدث كثيراً في كل الأماكن والبلدان. فالشّحن عمل تجاري يتطلب تقليل التكاليف، وصاحب العمل يتجنب مثلاً أن يكون هناك سائقان يتناوبان على القيادة، وغالبا ما يكون هناك ضغط على الشركة المشغلة لتسليم بضاعة حسب جدول معين دون تأخير، لذا فإن أوقات راحة السائق ربما تكون قليلة إن لم تكن معدومة، ولمعالجة هذه المشكلة فإن هناك كثيرا من الدول تضع القوانين التي تحكم هذه المهنة بالرقابة الصارمة عليها والتفتيش على السائقين حيث يستخدم ما يسمى ب (Log Book)، والذي يدون فيه أوقات قيادته رسمياً ليفحص من نقطة الى نقطة من قبل جهات الضبط المروري على ما يسمى بشبكة طرق الشاحنات. وشدد د.شكري على أهمية الضبط المروري لمنع تجاوز الشاحنات على الطرق السريعة، فغياب الضبط دفع بالكثير من سائقي الشاحنات على طرقنا السريعة إلى ممارسة السرعة والتجاوز بطريقة عبثية ومتهورة وغاية في الخطورة على الأرواح والسيارات، فيما يلفت المتابعون أن هذا لا يحدث على طرق دول الجوار لوجود الضبط والصرامة. أبعاد الشاحنة كشف د.شكري عن جانب فني في غاية الأهمية يتعلق بتجاوز بعض الشركات للأبعاد الفنية المخصصة للشاحنات،وعزا السنان ذلك إلى كون الشحن الثقيل مهمة تجارية وبسببه اتجه كثير من صناع عربات الشحن أو المقطورات - ربما تحت تأثير الضغط من قبل المشغلين – الى صنع عربات تتجاوز المعقول من حيث الطول والعرض والارتفاع. فالمواصفات تملي بأن يكون العرض 2.6 متر،وأي تعدٍ لذلك تعتبر الشاحنة حالة خاصة مما يستوجب التعامل معها بحذر من ناحية التشغيل. فعندما تسير هذه الشاحنة على الطرق يجب أن تكون بمعية سيارة بأنوار تحذيرية وفي أوقات بعيدة عن الذروة، محذراً من أن سير هذه الشاحنات وخاصة في الليل يمثل خطراً كبيراً. ومما يزيد الأمر سوءاً هو التراخي الملحوظ في التصميم السليم للشاحنة وتشغيلها بطريقة سليمة.وهذا بالتأكيد يؤثر سلبًا على مستوى السلامة. فالمواصفات المتوفرة الخاصة بالشاحنات تركز على الأبعاد والأوزان، ولكن القضية هي أبعد من ذلك،حيث توجد سلبيات في النقل الثقيل لها علاقة بالتشغيل والتصميم. تصميم المقطورة تناول استاذ الهندسة المرورية الخواص الفنية في تصميم مقطورة الشاحنات بهدف التقليل من مخاطر الاصطدام،وأشار إلى وجود الكثير من البحوث والمواصفات التي طورت للتقليل من آثار الاصطدام على السيارات الأخرى وخاصة الصغيرة منها. مبيناً أن الشاحنات في أغلب الحوادث لا تتأثر عند وقوع الحادث، مضيفاً أنه وللتقليل من آثار الاصطدام بها من الخلف على السيارات الصغيرة يجب أن تكون الشاحنات مجهزة بصدامات ماصة للطاقة، وأن تكون هذه الصدامات على ارتفاع مناسب عند اصطدام السيارات الصغيرة بها. وتابع : ما نلاحظه في المقطورات هو وجود قطعة حديد عرضية كيفما اتفق لتكون "الصدام"، وفي الغالب هي مرتفعة جداً بحيث لا يكون لها جدوى بل وتشكل خطراً حقيقياً على السيارات الصغيرة ليسمح بدخول السيارة الأخرى كاملة عند الاصطدام بها من الخلف لتنضغط وتتهشم، ولكم ان تتصوروا ما هي العواقب لركاب هذه السيارة. فهذه المقطورة تكون مصيدة خطيرة، وأن هذا الخطر يزداد أيضاً عندما نرى قطعاً حديدية بارزة هنا وهناك من المقطورة. وما دمنا بصدد الحديث عن الصدامات فقد اتجهت المواصفات العالمية الى توفير صدامات جانبية للمقطورة لتقلل من آثار اصطدام السيارة الصغيرة بجانب الشاحنة، والذي يقع معظم الأحيان في التقاطعات عندما تقطع الشاحنة طريق السيارة الصغيرة، حيث ان هذا النوع من الحوادث في أغلب الأحيان يكون مميتاً نظراً لوجود الفراغ بسبب ارتفاع المقطورة بسبب كبر اطارات الشاحنة ليكون مصيدة خطرة لمثل هذه الحوادث. الرؤية ليلاً .. والمتطلبات بين السنان أن حوادث الاصطدام بالشاحنات من الخلف أمرٌ شائعٌ ليلاً معزياً ذلك إلى سوء الرؤية، وأضاف: الحقيقة حوادث الليل تحدث لسببين،الأول بسبب عدم كفاءة الأنوار الخلفية تصميمياً، والثاني لعدم الصيانة أو عدم وضوح هذه الأضواء بسبب الوحل أو الغبار مثلاً. وتابع : الملاحظ على طرق المملكة هو عدم وجود مواصفات لهذه الأنوار، فنحن نرى كل الأشكال وكل الألوان وكأن الأمر يعتمد على المصنّع، ومن الأهمية بمكان التنبيه إلى أن وضوح الأنوار أمرٌ في غاية الأهمية يوليه المسؤولون والباحثون أهمية كبرى عالمياً، وذلك عبر فرض تركيب عاكس للضوء على مقطورات شركات الشحن لجعلها أكثر وضوحاً، حيث تبين ان لهذا أثرا واضحا للرفع من السلامة المرورية، والتقليل من إزهاق الأرواح، وبالطبع فإن هذا مبني على استنتاج دراسات وبحوث في هذا المجال. للسلامة المرورية د.شكري أشار إلى جوانب لها أثر كبير في تعزيز السلامة المرورية، ويتحتم ان تكون هناك مواصفات هندسية متطورة لتصميم المقطورات، كما يجب تعزيز جهاز الرقابة المرورية للحد من التجاوزات التصميمية والتشغيلية المؤثرة على السلامة المرورية، كما أنه يجب وضع شاخصات تحدد السرعة الأدنى على الطرق السريعة لما لتفاوت السرعة بين السيارات والشاحنات الأثر الكبير في وقوع حوادث الاصطدام من الخلف إضافة الى الإرباك المروري، وختم بالتأكيد على أهمية تطوير نظام يحسن من مهارات القيادة لسائقي الشاحنات، ونظام آخر لرقابة هؤلاء السائقين من حيث عدد ساعات العمل لتجنب إرهاقهم، لما لهذا أثر كبير في وقوع الحوادث. تدريب وتوعية سائقي الشاحنات سيحد من الحوادث آلاف الشاحنات تجوب طرقنا يومياً د.شكري السنان لابد من الضبط المروري ومنع تجاوز الشاحنات الضبط المروري الصارم سينظم حركة السير في طرقنا السريعة دخول السيارات أسفل الشاحنات سببه غياب جوانب فنية في تصميم مقطورة الشاحنة