بداية، لابد أن أعترف بأن الكتابة عن المظاهر والجوانب السلبية لأي مجتمع تلقى استجابة ورواجاً لدى كل أفراد وشرائح ونخب ذلك المجتمع، لأنها -أي الكتابة السلبية- تُمثل حالة من المكاشفة والمساءلة التي تعشقها العين وتأنس بها النفس، بعكس الكتابة عن مصادر وملامح الفخر والإلهام والتي تُعد كتابة إيجابية فهي عادة لا تحظى بالعناية والاهتمام لأنها تُعتبر مجرد ممارسة تجميلية أو تلميعية لا أكثر!. أكتب منذ عقدين من الزمن، وأعرف جيداً ماذا ينتظر القارئ -مهما كان هذا القارئ- من الكتاب والمثقفين وصنّاع الرأي. لست من هواة جلد الذات أو من عشاق الرقص على جراح المجتمع، ولكنني في المقابل أيضاً لا أمارس لعبة التخدير أو ثقافة التزوير، ولكن أحاول قدر المستطاع أن أبدو متوازناً ومسؤولاً أو كمن يُمسك العصا من المنتصف، فأنا أدرك جيداً أهمية وتأثير وخطورة الكتابة باعتبارها أداة رافعة تُشكّل وتصيغ وتوجّه الرأي والوعي العام للمجتمع. والكتابة عن العادات والتقاليد التي تتمتع بها المجتمعات والشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، سواء الإيجابية أو السلبية قضية في غاية الأهمية والضرورة لأنها تُمثل الحالة المزاجية التي تعكس ملامح القوة والتطور والازدهار، تماماً كما تكشف مظاهر القصور والخلل والتأزم. وتُعتبر العادات والتقاليد أشبه بترمومتر دقيق وحسّاس يقيس مستوى التطور والتحضر والرقي للمجتمع، بل وتُمثل نسقاً واضحاً يُبرز جوهره وحقيقته. وبعيداً عن الوقوع في فخ التعريفات والتوصيفات، فإن العادات والتقاليد تُمثل سلسلة طويلة من التجارب والخبرات التي اكتسبها وتوارثها البشر خلال تاريخهم الحافل بالأحداث والمواقف والتطورات والتحولات، والتي ساهمت في تكوين وتشكيل أفكارهم وثقافاتهم وسلوكياتهم، بل وفي تنميط وتوجيه قناعاتهم ومعتقداتهم وطموحاتهم. عادات وتقاليد، تتناقلها وتتوارثها الأجيال على مر العصور لتُشكل صورة بانورامية لحركة وتطور المجتمعات والشعوب في العالم. والعادات والتقاليد، عادة لا تولد من فراع أو من لا شيء، ولكنها صور شفافة وأصداء حقيقية لواقع المجتمعات وممارسات الشعوب، وقد أصبحت جزءاً مهماً في صياغة وتشكيل البنية الفكرية والحالة المزاجية لكل تلك المجتمعات والشعوب. والعادات والتقاليد الآن -بل ومنذ قرون- تجاوزت الكثير من حدودها وأدوارها، وتماهت وامتزجت بالكثير من الطقوس والمبتنيات الثقافية والفكرية والعقدية والقبلية والطبقية والعرقية، وأصبحت تقود شبكات ضخمة ومتداخلة من الأفكار والرؤى والقناعات. وتكمن إشكالية وتعقيد العادات والتقاليد في صورتها الأخطر حينما تُصبح بمثابة قانون ينظم علاقات وروابط وصلات الأفراد مع بعضهم أو من خلال ثقافات وقيم وسلوكيات تحكم وتضبط حقوق وواجبات الجماعات والفئات التي تُكوّن المجتمع، ما يجعلها هي من تصنع صورة نمطية لشكل وواقع المجتمع!. والعادات والتقاليد السيئة في عالمنا العربي كثيرة وكبيرة جداً، وفي المقال القادم سألتقط سبعاً منها أجدها الأكثر استخداماً وتأثيراً وخطورة. عزيزي القارئ: هل تشاركني في رصد تلك العادات السبع السيئة؟.