ليس جديداً زيادة أو فرض بعض الرسوم الجديدة خصوصاً تلك التي تتشابه مع ما هو معمول بها في كثر من دول العالم ويتم تحصيلها كمقابل بسيط لما تبذله الدولة من مصاريف سخية وغير محدودة على تشغيل المنشآت الخدمية وصيانتها وتزويدها بالاحتياجات الضرورية كما هو الحال بالنسبة لرسوم المرور عبر المنافذ، بجانب وهو الأهم أنها موجهة إلى فئة المسافرين والتي تستفيد مقابل هذه الرسوم من هذه الخدمات باختيارها، مما بالتالي يمكن معه تكييفها بغير الضرورية بالنسبة للمواطن العادي «لانتفاء» العبء المالي؛ حيث تأتي مرحلة فرض أو زيادة الرسوم بعد أن تم اتخاذ عدد من الإجراءات الإصلاحية الاقتصادية والتنظيمية الهادفة للتحكم في النفقات وخفض المصروفات وزيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية عبر أدوات عدة ومتنوعة الغرض، وقد جاء من ضمن ذلك فرض الرسوم على عدد من الخدمات البلدية بعد موافقة مجلس الوزراء الموقر في جلسة سابقة، عطفاً على ما يفترض انه تشكل لدى وزارة البلدية والقروية ضمن «برنامج التحول الوطني» من مبادرات مرحلية ضمن إطار رؤية الوطن 2030؛ لكن ما كان مفاجئاً هو ما صدر عن وزارة الشؤون البلدية والقروية من تصريح رسمي رداً على ما تم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي عن قرب فرض رسوم على إزالة النفايات، والذي لم تنفِ فيه الوزارة النية على الأقل بالنسبة للأحياء السكنية، وإنما نحت الوزارة في معرض توضيحها القاصر، معللة أن فرض الرسوم يهدف لمواجهة المتطلبات الأساسية وتحسين الخدمات والارتقاء بها لمواكبة احتياجات المجتمع. لننطلق بداية من التأكيد على أن المواطنين كافة يقفون قلباً وقالباً مع الوطن ويدعمون برامجه الإصلاحية ورؤيته الطموحة وتوجهاتها ومبادراتها، ولنؤكد كذلك على أن المواطن ظل ولازال محور رعاية وعناية الحكومة الرشيدة وعلى قائمة أولوياتها وفي مقدمة اهتماماتها الرامية إلى بذل كل ما من شأنه تحسين سبل معيشته والرقي بها بأفضل الوسائل؛ ولهذا نقول إن الخدمات البلدية كانت ولازلت تلقى انفاقاً سخياً حكومياً ومع ذلك لم ترتقِ سواء بنوعية خدماتها المتنوعة أو وسائلها الرقابية المفقودة لعقود من الزمن، ما انعكس على إخفاقات في التحقق من توفر اشتراطات النظافة ونوعية ومستوى أدواتها وسلاسة جدولتها وعقوبات مخالفتها، فهل من المقبول الآن الاقتناع بأن هذه الرسوم والتي ستشكل جزءاً لا يذكر في زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية سيكون لها أثر سحري للتحول في نوعية الخدمات المقدمة مقارنة بجزالة ما ترصده الدولة لها من ميزانيات فلكية؟! ولكي نضع النقاط على الحروف بشكل أدق نقول إنه لا أحد ضد فرض الرسوم المدروسة والنوعية والعادلة، والتي سينعكس إنفاقها بعد تحصيلها على الخدمات المقدمة، ولهذا فالمنطق يقتضي أن يكون تطبيقها ليس عبر بوابة المساواة على كافة مكونات المجتمع لتعذر وجه المقارنة، وإنما يكون ذلك بالتدرج بداية على قوى المال والأعمال المشهورة، ومراكز التسوق والمحالات التجارية والورش والمصانع الكبيرة، وسلسلة الفنادق والمطاعم والمستشفيات المتعددة، ومواقع الاستراحات وقصور الأفراح، ومباني المجمعات والأبراج التجارية المنتشرة؛ تلك أمثلة سريعة لعينة من المنشآت الربحية التي تستحق فرض رسوم على إزالة نفاياتها لأنه لا يقارن ما يتخلف عن أنشطتها من كم هائل من أطنان النفايات الصلبة أو البيئية أو الصحية المضرة مقارنة بما ينتج عن سكن المواطن من نفايات عادية، أخذاً في الاعتبار ما استفاده مالكو تلك المنشآت الربحية من إمكانيات وتسهيلات وخدمات مجانية لعقود من الزمن دون مقابل يذكر تجاه ما يحصلون عليه من ميزات، وبالتالي آن الأوان لفرض رسوم عليها مقابل ما يتخلف عن أعمالها من تكاليف لإزالة نفاياتها؛ وحتى يحين ذلك الوقت، نقول من الخطأ الآن تحميل المواطن رسوماً عن إزالة النفايات بجانب ما لحقه من سوء تقدير لعبء تعرفة استهلاك الماء والكهرباء، وما يعانيه أصلاً من ضغط لفاتورتي الصحة والتعليم على معيشته، في ظل وجود خيارات متعددة أولى وأجدى بفرض رسوم إزالة النفايات عليها، وأن يكون هناك مرحلة انتقالية يقيم فيها مدى تصحيح هذه الرسوم لسلوكيات القوى المؤثرة ومدى انعكاسها على مستوى ونوعية الخدمات المقدمة. [email protected]