ارتبطت سمعة وقبول وزاراتنا (لا سيما الخدمية منها) بشخص الوزير، فكثير من القرارات والخطط تذروها الرياح مع تغير الوزير، لتعود الوزارة ومنسوبوها والمستفيدون من خدماتها إلى المربع الأول في انتظار قرارات بديلة جلبها معه الوزير الجديد. ولعل أنه من الملاحظ تكرار هذا الأمر في كثير من الوزارات التي مر عليها عدد من الوزراء، وفي هذا الجانب يشير المتخصصون في الإدارة إلى أنه في المجتمعات المتقدمة يعزى نجاح الوزارات إلى المنظومة وليس للأفراد، حيث أن المنظومة تتكون من اللوائح والأنظمة وموظفين أكفاء، ويعضدهم جهاز مستقل للرقابة على التنفيذ الجيد للتعليمات. نحتاج منظومة إدارية مؤسسية لاتتغير بتغير المسؤول.. والانتقال من «ترميز الوزير» إلى «ترميز الوزارة» ! السمعة والتميّز يشير م.مشاري الخرس -مدير إدارة- أشار إلى وجود ارتباط وثيق بين سمعة الوزارة والتميّز، فكل خدمة مقدمة مرتبطة بانطباع او بصورة ذهنية لدى المستفيد أو المجتمع، حيث تتكون هذه الانطباعات من خلال تجارب شخصية أو ذهنية مرتبطة بعناصر أخرى كالأنظمة، ويتأثر أداء الوزارة بالسمعة السائدة لدى المراجع والجمهور حيث تلعب الوزارة دوراً محورياً في نجاح او فشل الوزارة واكتساب السمعة الجيدة او السيئة، فإذا قام الوزير بمهامه على أكمل وجه سينعكس إيجابياً على المستفيد وسيرفع من سمعته وسمعة الوزارة لارتباط مهام ومسؤولية الوزير وخطط الوزارة. وأكد م.الخرس على أن الخطة الاستراتيجية هي أحد الأركان الأساسية لعملية القيادة في أي وزارة، واصفاً إياها بالخارطة التي ترشد الى الطريق الصحيح ومن أهم العناصر الرئيسية اللازمة لنجاح أي إدارة داخل الوزارة فيجب وضع خطة ثابته ومحدودة، لأن الاستراتيجية ذات أمد طويل فأي تغيير جذري للاستراتيجية يعني البدء من جديد، لكن الرقابة والتوجيه الدائم اللازم ضروري لضمان تحقيقها والوصول الى الأهداف المرجوة من تلك الاستراتيجية. واعتبر بأن نسف اعمال وخطط الوزراء لبعضهم البعض يؤدي الى عدم استقرار على استراتيجية معينه متفق عليها للتطوير والتنمية، فإن كان كل وزير لابد ان يضع بصمته الشخصية على الخطط والاستراتيجية السابقة او نسفها فذلك يؤدي الى عدم جدية الاستراتيجية وعدم اقتناع المستفيد وتعطيل عجلة التنمية والتأخير في الوصول الى الأهداف والتطلعات المرجوة من الوزارة المعنية وكذلك مخالفتها التوجهات العامة للدولة. مجلس أعلى ويرى م.الخرس ضرورة إنشاء مجلس أعلى تكون مهمته التخطيط ووضع الاستراتيجيات والبرامج التنفيذية ومتابعة مؤشرات النجاح او الإخفاق، بحيث لا تتأثر قرارات هذا المجلس بتغيير شخصية الوزير المسؤول، فيكون الوزير ملزماً بتنفيذ البرامج التي يصدرها المجلس الأعلى ويترك كيفية تنفيذها للوزير المسؤول ولكن بصلاحيات محدودة ومعروفة لضمان نجاح أعمال هذا المجلس، وأن تكون مسؤولية هذا المجلس متصلة بالملك مباشرة، ويكون من يرأسها خبراء من ذوي الرؤيا الثاقبة في التطوير والابداع وملكة التفكير خارج الصندوق، لافتاً إلى أهمية إيجاد العديد من هذه المجالس العالية في مختلف المجالات. إستراتيجية علمية من جهته نبه د.علي بوخمسين - مستشار اقتصادي وخبير تطوير الأعمال والرئيس التنفيذي لمركز التنمية والتطوير للاستشارات الاقتصادية والإدارية - على ضرورة أن يكون لوزراتنا إستراتيجية تسويقية علمية، ويكون لها رؤية ورسالة وقيم ومفاهيم، مشيراً إلى تأثير شخص الوزير وأدائه والكاريزما التي يتمتع بها ذات أثر مباشر في تكوين الانطباع العام والصورة العامة لدى المواطنين عن أداء الوزارة، واعتبر أن غياب الاستراتيجيات والمنهج العلمي عن بعض الوزارات بأنه سبّب ارتباكاً وإرباكاً شديداً في اداء الوزارات، منبهاً الى الأثر السلبي لذلك وتذبذب صورتها وترك انطباع عكسي لدى الرأي العام حيال اداء الوزارة. وأشاد بوخمسين بتجربة وزارة التجارة والصناعة سابقاً على يد وزيرها السابق د. توفيق الربيعة واصفاً إياه بالمحترف في أداء مهامه الوظيفية، واستطاع على حد تعبير بوخمسين أن يعكس صورة حسنة جداً عن وزارة التجارة، ولا اقول انها أصبحت مثالية في الأداء ولكن ارتقت كثيراً بفضل توافر إستراتيجية جيدة علمية سليمة، والآن رغم تغير الوزير وقدوم وزير آخر إلا أنه يلاحظ ان ذات الاستراتيجية السابقة قائمة، ونرى ان أداء الوزارة حالياً على نفس القوة السابقة التي خلقها الوزير السابق، وبالتالي هذا يؤكد على صحة استنتاج انه باستقراريه اتباع استراتيجية جيدة وفعالة ستحافظ على اداء الوزارة وتحافظ على الانطباع الجيد عن الوزارة مهمها تغير شخص الوزير. ودعا بوخمسين الوزارات للانتباه إلى أن الوزارة ليست نبت صحراوي او فرد بدون عائلة، شارحاً ذلك بأن عليها الانتباه إلى أن الوزارة هي جزء متناغم ومكمل لهذا المجتمع وتقدم خدماتها له، وعليها خلق علاقة قوية عبر تبني مفهوم التسويق الحديث، فينبغي استنساخ مفهوم التسويق الحديث من القطاع الخاص إلى القطاع العام لترويج الخدمات والمنتجات، وإقناع الرأي العام بها، لافتاً إلى أن الوزارة لن تنجح في أداء مهامها مالم يحصل اقتناع تام من قبل المواطنين بجدوى وفاعلية هذه القرارات التي تقرها الوزارات وقبول من المجتمع المحيط بتلك القرارات. استقطاب وتغيير وطرح د.علي بوخمسين ما وصفه بالمثال الثري في اتباع فكر التسويق الحديث لإيصال الرسائل الإعلامية، حيث أشار إلى أن وزارة الداخلية تهتم كثيراً في استقطاب الرأي العام واصفاً ذلك بالجيد، ومن ذلك حملة مكافحة المخدرات، وحملات التوعية المرورية وحملات التثقيف بأنظمة الإقامة، حيث لاحظ ان هذه الحملات تستخدم ادوات تسويقية حديثة وبالتالي تحقق نجاحاً كبيراً، داعياً لتكرار هذه التجربة وتطويرها في المستقبل لدى الوزارات لتتمكن من خلق قناعة لدى الرأي العام بما تقره من سياسات وقرارات فتصبح بذلك الأمور إستراتيجية واضحة. ويرى بوخمسين أهمية تغيير النظرة النمطية في آلية الادارة الحكومية بشكل عام لنصل الى فاعلية أفضل وكفاءة أعلى لاسيما في ظل الرؤية الوطنية وما تضمنته من النهوض بدور الشباب، مشدداً على أن التغيير يبدأ بإعادة النظر في القيادات، وضرورة استقطاب عناصر ودماء جديده شابة مؤهلة علمياً وفنياً، وتكون ذات خبرة عملية جيدة، وبعض الكفاءات المهنية التي لها القدرة على تبني استراتيجية تكون ذات فاعلية في النجاح لتحقيق اهدافها، والاستفادة من خبرات القطاع الخاص من الكفاءات المهنية ومن حملة الشهادات او ما يسمى بالتكنوقراط بحيث انه نخرج بالصورة النمطية عن أداء الوزارة والبيروقراطية الحكومية لننتقل لفضاء أرحب متمثل في الفكر الإداري الحديث. الصورة الذهنية متغيرة بدوره عزا د.مقبل العيدان-أستاذ الأعمال الدولية والإستراتيجية بكلية إدارة الأعمال بجامعة الملك فيصل- عدم ارتباط الكثير من الوزارات بصورة ذهنية (stereotype) ثابتة في ذهن أصحاب المصلحة المرتبطين بها، عزا ذلك إلى تعطيل أو غياب التخطيط الإستراتيجي عند بعض الوزارات، والخوف من المساءلة والحساب في حالة عدم تنفيذ الخطط الإستراتيجية أو فشلها، وكذلك الميل نحو العمل بطريقة غير منضبطة وغير محددة بأهداف، والرغبة في مقاومة أي تغيير إستراتيجي لدى البعض، حيث أثبتت شواهد كثيرة أن المزاج العام والرضا الشعبي حيال أي وزارة يتقلب عادةً من فترة إلى أخرى بتغير صناع القرار فيها، الأمر الذي يفضي إلى صناعة سمعة وقتية غير مستدامة للوزارة ترتبط بشخصية وعمل من يتبوأ دفة قيادتها، لافتاً إلى أنه من الأجدر أن ترتبط هذه السمعة بمخرجات الوزارة وخدماتها المبنية على رؤية ثابتة لا تتغير بتغير الوزير. ترميز الوزارة وحث د.العيدان الوزارات على الانتقال من مرحلة «ترميز الوزير» إلى مرحلة «ترميز الوزارة»، بحيث تطغى رمزية الوزارة على رمزية شخص الوزير. واستعرض العيدان آلية ذلك عبر التزام الوزارة بصياغة وإعداد مشروع خطة إستراتيجية يجري تنفيذها على مدى سنوات دون أن يرتبك هذا التنفيذ أو يختل بأي قرارات توزير جديدة. وأضاف بأن الحاجة تستدعي أن ترتبط أهداف الوزارة بمؤشرات أداء واضحة (key Performance Indicators) بحيث تلتزم الوزارة أمام أصحاب المصلحة بتنفيذ أهدافها المعلنة دون تسويف أو تباطؤ، ومن أهم هذه المؤشرات؛ مدى القدرة على تحقيق الأهداف، والقدرة على جذب كفاءات مميزة للعمل لدى الوزارة، ومستوى رضا المستفيدين من الوزارة وأصحاب المصلحة، ومستوى ثقة هؤلاء المستفيدين بخدمات الوزارة. نبه إلى أهمية أن يرتكز كل وزير جديد على تجربة نظرائه السابقين عند البدء بإدارة الملفات الخاصة بوزارته مع إضافة صبغته الشخصية فالبناء على المنجزات والتجارب السابقة يجب أن تكون سمة راسخة في الوزارات، واستحضر العيدان موقف وزيرة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الأردن مجد شويكة حين استهلت عملها بالوزارة بلقاء سبعة من نظرائها الوزراء السابقين بهدف الاستماع إلى تجاربهم الشخصية والبناء عليها، وهذه الخطوة التي ينبغي على كل وزير القيام بها ليبدأ مما انتهى عنده زملائه الآخرون الذين سبقوه . فهم خاطئ للصلاحيات م. عبدالله المقهوي لفت إلى أن كفاءة المنظومة الإدارية تعتمد بقوة على مجتمعها او ملاّكها، ونظراً لضعف المنظومة الإدارية في بعض الوزارات فاعتقد البعض ان الوزارة تدار بنظام الفرد(الوزير) وليس المؤسسة(الوزارة)، وهذا جعل البعض يتصور أن الوزير هو كاتب الأنظمة والاستراتيجيات، وأن لديه القدرة ان ينقضها او يعطلها او يفعلها، وما أكد شكوكهم أن بعض الوزراء أنظمة أو قرارات وضعها اسلافهم وهذا تعطيل للتنمية، وهذا النوع من الإدارة كوّن لدى البعض انطباعاً بأن الوزير هو الوزارة والعكس صحيح، جراء حصر كثير من الصلاحيات بيد الوزير، مؤكداً على الحاجة الملحة لتقوية المنظومة الإدارية وإدارتها بنظام مؤسسي لا يتغير جذرياً بتغير الوزير، وان صلاحيات الوزير يجب ان تكون مقننة، بحيث لا يحق له ان يغير الاستراتيجيات الكبرى التي يقرها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. يحمّل م.المقهوي الإعلام في ربط هوية الوزارة بشخص الوزير، وذلك من خلال حصر تسليطه الضوء على الوزير، كما ان البعض يعتقد انه لا توجد سلطة تحاسب الوزير، معتقداً أنه أقوى من الوزارة، والناس في النهاية، تهتم بجودة الخدمات المقدمة لها، بغض النظر عن الوزير او اسم الوزارة. يذهب الوزير وتبقى الأهداف من جانبه يرى يوسف العديلي بأن الخدمات والمنجزات التي تقدمها الوزارات على أرض الواقع يعزز من اسمها، مبرراً أنه ولكون الوزير هو رأس الهرم فمن الطبيعي أن ينعكس عمله وطريقة إدارته ومنجزاته على الوزارة سواءً سلباً أو إيجاباً من المنظمات الربحية تستقطب قيادات بناءً على إنجازاتهم السابقة، معتبراً أن الإدارة الحديثة مبنية على عدم التفريق بين المؤسسات الخاصة والحكومية، فكلاهما يسعى لتقدم خدمات ذات جودة عالية للمستفيد، وكسب سمعة جيدة، مع أهمية الإبقاء على الأهداف ثابتة حتى مع تغير الوزير. ونبه العديلي إلى أهمية بأن يكون التغيير في طريقة الإدارة وليس تغيير الخطط والاستراتيجيات التي يفترض أن تكون ثابتة لكي لا تتأثر عجلة التنمية ويهدر المال والجهد والوقت وبالتالي التأخير في إنهاء المشاريع التنموية واعتبر أن الاستراتيجية التي تتخذ من الإبداع والتطور في تخطيطها منهجاً لها سيكون مآلها النجاح وتحقيق الأهداف المرسومة وجودة المخرجات وارتباطها بشكل وثيق برؤية المملكة 2030. التطوير مطلب من جهته رفض عبدالله السلطان -باحث اجتماعي- الربط بين الصورة النمطية للوزارة وشخص الوزير، معتبراً أن مستوى أداء الوزير واهتمامه بتطوير مستوى الخدمات التي تقدم للمستفيدين هو ما يسهم في تصحيح الصورة النمطية التي رسمت في أذهان المستفيدين عن الوزارة، كما أضاف أن خطط الوزارة المعلنة في وسائل الإعلام تساهم في رسم صورة إيجابية، وتمنى السلطان على الوزراء تطوير الخطط الإستراتيجية الموجودة وتثبيتها، مبيناً أن تغييرها قد يتسبب في خلخلة العمل وتراجع مستوى الأداء. الحكومة الإلكترونية ويقول إبراهيم الحسين -محامٍ- ان سمعة الوزارة تبنى بالتجارب السابقة من المراجعين حيث تتناقل من شخص لآخر فترسم صورة عن تلك الوزارة، فالبعض حينما تسأله عن جهة سيذهب إليها للمراجعة يردد (الله يعينني) قبل أن يدخل تلك الجهة ! وربط الحسين تطور وزراتنا بتطبيق الحكومة الإلكترونية، ونشر الثقافة القانونية للتعريف بالحقوق والواجبات، مبدياً تفاؤله في أن تلك العناصر ستحسن من مستوى الخدمات المقدمة، كونها بنيت على تخطيط واضح وقياس للأداء ومحاسبة للمقصر ومكافئة المجتهد، وبالتالي ستنعكس إيجابياً على المجتمع. تغير المسؤول في أي إدارة لاينبغي أن يؤثّر على أداء المنظومة وإستراتيجياتها من المهم تغيير الصورة النمطية في آلية الإدارة الحكومية مسؤولون غادروا مناصبهم وبقيت سمعتهم وبصماتهم محفوظة عند المراجعين ينبغي تقوية المنظومة الإدارية بنظام مؤسسي لايتغير بتغير المسؤول المسؤول الناجح لايترك مجالاً للبيروقراطية والتسويف في ادارته على حساب وقت ومعاملات المراجعين الحاجة ماسة لانشاء مجلس اعلى يضع الاستراتيجيات المهمة التي لاتتغير د.علي بوخمسين عبدالله السلطان يوسف العديلي م.عبدالله المقهوي إبراهيم الحسين م.مشاري الخرس د.مقبل العيدان