الناس هم شهود الله على أرضه؛ كما يُقال، لذلك فإن إجماع عدد كبير منهم على أمر ما، هو مؤشر مهم الدلالة على نظرتهم وتقييمهم لذلك الأمر، أو تلك الجهة، وخصوصا حينما يتعلق الموضوع بمستوى خدمات الأجهزة العامة، وعندما ننتقد، نحن معشر كتاب الصحف، بعض الأجهزة الحكومية التي نعتقد بأنها لم توفق كثيرا في تحقيق أهدافها، أو أن أداءها لا يرقى إلى تطلعات المواطنين، فإن نقدنا هو للأداء وليس للأشخاص، كما أنه صدى لآراء الناس وانطباعاتهم عن هذه الوزارة الخدمية أو تلك المؤسسة العامة. وفي المقابل، فمثلما ننتقد أحيانا؛ بهدف التقويم والإصلاح، فإن الأمانة والموضوعية تقتضيان أيضا أن نشيد بنماذج حكومية ناجحة؛ نرى أنها تستحق الثناء نظرا لاهتمامها بالتجاوب مع مطالب وملاحظات المستفيدين من خدماتها؛ من خلال العمل الجاد والمدروس، لا بمجرد القول والتنظير!، وخصوصا عندما تحرص تلك الجهات على تنفيذ توجيهات ولاة أمرنا، المتعلقة بتيسير أمور المواطنين، وتقوم بمسؤولياتها خير قيام، ومن تلك الأجهزة، وزارة الحج؛ وهي الوزارة الوحيدة التي تنفرد بها بلادنا من بين جميع دول العالم. وتعتبر وزارة الحج أحد النماذج الجيدة للأجهزة العامة، ومن أبرز المؤسسات التنفيذية الحكومية، بعد أن وفقت خلال السنوات القليلة الماضية، ليس فقط في تطوير الجوانب التنظيمية المتعلقة بأداء فريضة الحج، بل وحازت على رضا وتقدير قطاع عريض من المواطنين والمقيمين، بعد أن استحدثت وأطلقت منظومة من المبادرات الفاعلة، التي تخدم الناس، وأشعرتهم، بأمرين هامين هما: الاهتمام والعدالة؛ وبدون أن تتسبب لهم في أية مخاطر، أو تشعرهم بعدم الأمان؛ كما تفعل بعض الأجهزة. وكان «المسار الإليكتروني» لحجاج الداخل بمثابة لبنة مهمة في المنظومة الإليكترونية التي بنتها وزارة الحج، وطبقتها بنجاح لأول مرة في موسم الحج الماضي، وجمعت فيها كافة شركات الحجاج المرخصة من الوزارة، وذلك رغم الممانعة الشديدة من (بعض) مزودي الخدمات، الذين قاوموا آنذاك توجُّه الوزارة وجهودها التنظيمية؛ إما بسبب الجشع ومحاولة الحفاظ على معدلات أرباحهم العالية التي تتراوح بين 200 إلى 400%!، أو لاعتقاد بعضهم بأن التنظيم يستهدف الإضرار بمصالحهم؛ كونه يضع حدا لسيطرتهم المطلقة على خدمات الحج، في حين أن الوزارة قامت فقط بتقنين تلك الخدمات، لتجعل أداء الحج في مقدور الكثيرين ممن لم يكونوا قادرين عليه؛ ماليا. وحتى لا يأخذ رأيي هذا صفة التعميم فسوف أستعرض بعض الإنجازات الاستثنائية والواضحة؛ التي نجح القائمون على وزارة الحج في تحقيقها خلال وقت قصير، وبدون (بروباجندا) أو مبالغة في الظهور الإعلامي، حيث أدى تطبيق الوزارة للمسار الإليكتروني إلى نتائج إيجابية ملموسة شعر بها محدودو الدخل قبل ميسوري الحال، من أبرزها: - ضبط أسعار الحملات، ووقف التلاعب فيها، ومراقبة جودة الخدمات المقدمة، وقياس مدى التزام الشركات بها؛ وذلك وفق آلية محكمة ومنظمة. - توفير قاعدة معلومات إحصائية ومتجددة كل عام عن حجاج الداخل، وهو ما سيساعد الوزارة على بناء القرارات السليمة ورسم السياسات المستقبلية، فضلا عن دورها في تطوير عمليات التخطيط والرقابة، وبما يؤدي للارتقاء بمستوى الخدمة في قطاع الحج. - قطع الطريق على الحملات غير المرخصة، والحملات الوهمية، التي كثرت الشكاوى بشأنها. - توفير الوقت والجهد على الحجاج مستخدمي المسار، وإحكام رقابة الوزارة على التعاقدات؛ في جميع مراحلها. - الارتقاء بأداء شركات الحج، وتوفير الوضوح والشفافية التي كانت غائبة في أعمالها، بعد أن ظلت لسنين طويلة، أشبه ما تكون بالصناديق المغلقة؛ التي لا يعرف أحد ما بداخلها!. - تخفيض مصاريف التشغيل على شركات الحج، من خلال إسهام الآلية الجديدة في خفض تكاليف الموظفين، وإيجارات المكاتب، ومخصصات التسويق، بعد أن أصبحت إجراءات التسجيل في الحملات، آلية بالكامل، بما في ذلك تقديم الطلبات، ودفع القيمة، وإبرام العقود، واستلام التأكيدات؛ عبر موقع الوزارة. - تحقيق ربحية معقولة لأصحاب تلك الشركات، لا تقل عن نحو 25%، وهو معدل يتجاوز عائد الكثير من الأنشطة التجارية حاليا. وهكذا تمكنت وزارة الحج من تحقيق هدفها الأسمى، وهو تيسير شرط «الاستطاعة»؛ الذي حال سابقا جشع بعض مستثمرينا، دون تحقيقه من قِبل شريحة عريضة من الحجاج، وبذلك فقد وضعت وزارة الحج حدا لمعاناة الكثير من الحجاج، وتجاوبت مع شكاواهم المتكررة؛ سواء من فساد (بعض) مسؤولي مؤسسات الطوافة، أو من تجاوزات بعض أصحاب (المتاجرة بالحملات!)، وعدم التزامهم ببنود التعاقدات، ومغالاتهم المستمرة على الأسعار. ومن الطبيعي فإن نجاح وزارة الحج لم يأت من فراغ بل هو نتاج جهود كبيرة، وعمل دؤوب، انطلق من إرادة (سامية)، حوّلتها وزارة الحج إلى رؤية واضحة، واستراتيجية سديدة، وأهداف واقعية، وخطط منضبطة. ومؤكد فإن مشاريع الوزارة التطويرية، مستمرة؛ وذلك وفقا لوزيرها د. بندر حجار، حيث سيتم بدءا من موسم الحج القادم، إطلاق برنامجين جديدين، أولهما هو مشروع (السوار الإليكتروني)، لكل حاج، وهو ما سيسمح بالتعرف على الحجاج في حالات المرض أو الضياع أو الطوارئ، والاطلاع على كافة بياناتهم المدونة في شريحة يمكن قراءتها بقارئ آلي، أما المشروع الثاني فهو (نظام إليكتروني لتتبع حافلات الحجاج)، الأمر الذي سيعالج العديد من سلبيات النقل، ويُسهم في تقصير وقت التنقل بين المشاعر. تبقى الإشارة إلى أن أحد أهداف تلك المشاريع هو جعل القيام بالحج ليس أداء للفريضة فقط، بل ذكرى جميلة في ذهن كل حاج، وربما يصبح حينئذِ سفيرا لسمعة بلادنا الغالية في بلده، وهذا لن يتحقق بدون تيسير الخدمات، والارتقاء بها بشكل مستمر.