في كل بلد أزوره أستطيع أن أعرف مدى استتباب الأمن فيه، ومدى شعور الناس بالطمأنينة من تواجد رجل المرور في الشارع وسرعة تعامله مع المخالف وحزمه مع المستهتر بالنظام. أصدر مجلس الوزراء في جلسته أمس الاول تعديلات وإضافات على بعض مواد نظام المرور تتضمن عقوبات صارمة على مخالفي الأنظمة المرورية ما يدل على اهتمام بالغ وعزم على وقف التجاوزات والتهور في قيادة السيارة. وفي كل بلد أزوره أستطيع أن أعرف مدى استتباب الأمن فيه، ومدى شعور الناس بالطمأنينة من تواجد رجل المرور في الشارع وسرعة تعامله مع المخالف وحزمه مع المستهتر بالنظام. كنت قبل أشهر في جورجيا وهي دولة آسيوية كانت ضمن دول الاتحاد السوفياتي السابق، وبعد استقلالها بدأت الفوضى وكثرت السرقات، وحين تسرق سيارة من موسكو يبحثون عنها في جورجيا، لكن تلك الدولة التفتت إلى جهاز الشرطة والمرور وجعلته واحداً من أفضل أجهزتها الحكومية، ما أصبحت معه جورجيا واحدة من أكثر دول العالم أمناً وتدنياَ في نسبة الحوادث المرورية والجريمة، وفي حادثة بسيطة لها دلالاتها كنت قبل أشهر مع صديق من جورجيا وفي عاصمتها تبليسي أوقفنا المرور مرتين في الليل لوجود أحد الأنوار الخلفية الصغيرة مطفأة ولم يكتفِ بتحرير مخالفة بل سار خلفنا بسيارته إلى أقرب ورشة لإصلاح الخلل. وفي دولة متقدمة كالسويد كانت الوفيات جراء حوادث الطرق تزيد على الألف قتيل كل عام فتم دراسة الأمر من قبل البرلمان والجهات المعنية ووضعوا خطة طويلة المدى لتقليل الحوادث المميتة إلى الصفر، واليوم نقصت الحوادث في السويد إلى حوالي 200 حالة وفاة في العام وهي في تناقص مستمر، وكان أهم عوامل نجاح الخطة هو تطوير جهاز المرور وأهمه حسن اختيار رجل المرور وتدريبه وتزويده بما يحتاج من معدات وصلاحيات للقيام بعمله على الوجه المطلوب. حوادث السيارات في المملكة تعد من أعلى المعدلات على مستوى العالم، والوفيات في العام الماضي جاوزت 8000 وفاة معظمهم من الشباب تحت سن الأربعين، وفي كل يوم يضاف حوالي أربعين معاقا إلى فئة ذوي الإعاقة أكثرهم مصاب بشلل نصفي ورباعي وبتر أطراف، ما يعني أنه قلما يخلو بيت من بيوت المملكة من ضحايا حوادث المرور، إضافة إلى ما يشغله مصابو الحوادث من أسرة المستشفيات التي وصلت إلى قرابة 25% من الأسرّة، بالإضافة إلى ما يهدر من أموال طائلة على شراء سيارات جديدة وقطع غيار لا يستفيد منها سوى الشركات الصانعة ووكلائها في المملكة. وزارة الداخلية شهدت إصلاحات كبيرة تمثلت في نجاحها في التصدي للإرهاب، وفي وجود مركز المعلومات الوطني الذي يقدم خدمته لجهات حكومية كثيرة، والتحسن الكبير في إجراءات الجوازات خصوصاً في المطارات، لكن المرور والشرطة بحاجة إلى أن يكون لهما نصيب أكبر في المستقبل وذلك لأهميتهما القصوى، وهنا أقترح الخطوات التالية: أولاً: يحتاج المرور والشرطة في المملكة إلى تطوير جذري وليس إصلاحات بسيطة أو تغيير مسؤول أو تعميما يحث على المزيد من الجهد، فالمسؤول لم يقصر، ولكن زيادة أعداد المواطنين والوافدين والزيادة الكبيرة في عدد السيارات، وتعدد الجهات التي لها علاقة بالسلامة المرورية جعلت من الصعوبة تقليل الحوادث التي هي في زيادة مستمرة، وهذا يحتم على المسؤولين أن يفكروا خارج الصندوق والخروج بحلول مطبقة في دول مجاورة، مع الاستعانة ببيت خبرة عالمي يضع الأسس لمرور ناجح قوي بدءاً بحسن اختيار الكفاءات المتميزة في تعليمها وبنيتها الجسدية ويسهم في تدريبها، ويتم حصر عمل خريجي هذا البرنامج في الضبط المروري وإعطاؤ هم رتبا خاصة بهم وميزات مادية تتيح لهم الاستمرار في العمل الميداني مدة طويلة كما هو لدى الدول المتقدمة، كما تتولى بيوت الخبرة تطوير مدارس تعليم القيادة، مع عمل الوزارة على خصخصة المزيد من أنشطة المرور حتى يتفرغ المرور لعمله الأساس وهو الضبط لمنع الحوادث قبل وقوعها. ثانياً: يجب أن نضع هدفاً وطنياً هو تقليل عدد الوفيات في عام 2030 إلى رقم معين قابل للتحقيق، وهذا الهدف يشترك في تنفيذه كل الجهات المعنية بالسلامة المرورية وهذه الجهات موجودة في الخطة الاستراتيجية للسلامة المرورية التي صدرت منذ سنوات طويلة ودرست من قبل الجهات المعنية ومن مجلس الشورى ومصادق عليها من مجلس الوزراء في عام 1434، ومن أهم الجهات المشاركة فيها وزارة النقل والبلديات ووزارة الصحة ووزارة التعليم، إضافة إلى الوزارة الأساس وهي وزارة الداخلية. ثالثاً: التعليم يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تقليل حوادث المرور من خلال جعل السلامة المرورية مادة ملزمة لكل طالب قبل التخرج من المرحلة الثانوية، ويكفي أن نركز على أهم أسباب الحوادث وهي السرعة وقطع الإشارة وعدم ربط الحزام والعبث بالهاتف المحمول أثناء القيادة، أي نركز على أهم أسباب الحوادث ونعالجها عملاً بقانون بريتو الذي يقول إن التركيز على علاج 20% من أهم الأسباب يعطي 80% من النتائج. رابعاً: أصبحت التقنية من أهم مصادر القوة حين نحسن استخدامها خصوصاً في ضبط المخالفين ومرتكبي الجرائم، ما يعني سرعة دعم الشركة الوليدة تحكّم التي حلّت محل شركات ساهر ودعمها بالخبرات والعناصر البشرية الكافية لتغطية كل مدن المملكة والطرق السريعة، ومن يلاحظ مدى انضباط السائقين عند إشارات المرور التي بها كاميرات مراقبة وتصوير يعلم مدى أهميتها. تطوير الجهاز مشروع وطني كبير ومهم ويستحق كل ما يعطى له من اهتمام فهو الذي يمثل الدولة في الشارع ويبرز هيبتها وهو الذي يقف بالمرصاد لكل المستهترين بأرواحهم وأرواح غيرهم، وهذا العمل النبيل سينعكس على كل جوانب الحياة للمواطن والمقيم في المملكة، وسيؤثر إيجاباً في الصحة العامة والاقتصاد الوطني والأمن والسلامة.