د. محمد المنيعي اكتوت المملكة من أفعال الفكر الإرهابي يوميا رغم الجهود المبذولة التي تقوم بها وزارة الداخلية عبر لجنة المناصحة والجهات المعنية في محاربة هذا الفكر الدخيل على المجتمع السعودي منذ نهاية السبعينات الميلادية والحرب مستمرة وبرغم من الخسائر في الأرواح والخسائر المادية الفكر يتغلغل في المجتمع، بسبب ظهور وسائل مساعدة حددها عدد من المتخصصين في الإرهاب في استطلاع أجرته "الرياض" حول الفكر الإرهابي ومنابعة وكيفية التصدي له وجهود المملكة في هذا الصدد ودور لجان المناصحة، وشددت المملكة رفضها وإدانتها وشجبها للإرهاب بأشكاله وصوره كافة، وأياً كان مصدره وأهدافه من خلال تعاونها وانضمامها ومساهمتها بفاعلية في الجهود الدولية والثنائية المبذولة ضد الإرهاب وتمويله والتزامها وتنفيذها القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب. الفرق بين الإرهاب والفكر الإرهابي أكد عبدالرحمن القراش مؤسس برنامج صمود للوقاية من الإرهاب، أن هناك فرقا كبيرا بين الإرهابي والفكر الإرهابي، وهناك فرق بين الفكر الإرهابي وبين الإرهابي نفسه، فالفكر الإرهابي هو الذي يصنع الإرهاب ويغذيه، أما الإرهابي هو الأداة التي تستخدم في تمرير الفكر الذي اعتنقه، لذلك يعتبر الفكر الذي يغذي الإرهاب هو الأخطر والأنكى؛ حيث يتغلغل في العقول بكل وسيلة ويمكن للفكر الإرهابي أن يقسم المجتمع ويقسم العائلة إلى فئات متنافرة ويؤلب الناس بعضهم على بعض دون اهتمام بالنتائج، لذلك تجد من يومن به ويبرر دائما أن أعماله كلها في سبيل نشر الإسلام مهما كان عدد القتلى والضحايا وهو منطق أعوج يوضح تفكيرهم الدموي الذي وصفهم به المصطفى صلى الله عليه وسلم. الإرهاب في المملكة يعتبر الإرهاب الذي وجه بوصلته تجاه المملكة أحد التنظيمات السرية في العالم؛ حيث يتبع سياسة قديمة في زعزعة الاستقرار بأي مكان يتواجدون فيه فيقومون بأعمال عنف بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بالتنظيم الذي يؤمنون بأجندته، ولكن يظهر في أدبياتهم أن ما يقومون به هو خدمة جليلة لإنقاذ البشرية تحت مسمى "التدين"، ولو لاحظنا خلال السنوات السابقة منذ بدأ الربيع العربي أن هناك بذرة خبيثة زُرِعت في أحشاء العالم العربي باسم "داعش" امتدادا لتنظيم القاعدة الذي ملء الدنيا خراباً وإرهاباً، فقام أعضاء هذا التنظيم الخبيث باصطياد أبنائنا من خلال تجنيدهم لأهدافهم السيئة؛ حيث لعبت وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت دورا كبيرا في تزيين حياة الجهاد الذي هم منه براء وكان ذلك على مرحلتين: المرحلة الأولى: الدعوة العامة للنفير خفافاً وثقالاً إلى أرض الصراع مع محاولة إقناع الأقارب والأصدقاء بأفكارهم دون العودة للجهات الشرعية. المرحلة الثانية: تكوين خلايا النائمة داخل البلد مهمتها تقدم الدعم اللوجستي للموالين فكرياً واستقطاب مجندين جدد للتنظيم والتأكد من ولاءاتهم من خلال القيام بأعمال تخريبية. وطلب منهم في بداية الانضمام:البيعة السرية، التمويل الذاتي، التخطيط لعمل يثبت عقيدة البيعة، تنفيذ العمل الإرهابي، المبايعة بشكل علني، النفير لأرض الجهاد إن استطاع أو الموت. أسباب الإرهاب قال القراش: يفترض كثير من عموم الناس أن انجذاب الشباب لهذا المستنقع العفن هو التعلق الديني والبحث عن المدينة الفاضلة التي صنعها لهم خيال الإعلام الداعشي من خلال وسائل الاتصال الاجتماعي والمواقع الموالية لهم، بينما الحقيقة فيتعلّق الشباب بهذا الفكر يعود إلى ما يلي: * وجود فجوة كبير بين الخطاب الديني والمتلقي؛ حيث الاكتفاء بكلمة (لا يجوز - حرام - لا ينبغي). * خلق لدى البعض الفضول للبحث عن مصدر آخر للاستفتاء. * وربما يكون طريق توصيل الفتوى فيه جفاء وحدة مما جعل كثيرا من الشباب ينفر من الأسلوب المتبع. * وربما يكون التضارب بين الفتاوى الدعوية يحتاج إلى توحيد وتطوير في منهج الطرح بما يتوافق مع الزمان والمكان. * وجود خلل في البيئة الإعلامية جعل الشباب عرضة للتغذية الفكرية الضالة دون توجيه ومتابعة؛ حيث أسهم الإعلام الجديد في تسهيل وصول المعلومة وتجنيد الشباب وتبني الأفكار. * العنصرية الاجتماعية من خلال إثارة النعرات القبلية والتحزبات المناطقية في العمل والمدرسة والجيرة مما خلق في نفوس بعض الشباب نزعة الحقد وحب الانتقام من المجتمع. * الخطأ في التربية الأسرية؛ حيث يقوم بعض الوالدين باستخدام أسلوب التفضيل أو المعايرة أو الحرمان دون مبرر مما يجعل الشاب يرتمي في أحضان تلك التنظيمات. -وربما يكون للمشاكل الأسرية العامة من طلاق ونحوه دور في انحراف الشباب وهروبهم من واقعهم لجحيم التكفير وحب الانتقام. * يعتبر التعليم ميدانا خصبا لتفريخ مثل أولئك المنتمين؛ حيث قلة المتابعة لفكر بعض المعلمين وتوجهاتهم سهّلت عليهم تجنيد الشباب دون ملاحظة كبيرة من أحد. -وربما يكون لمخرجات التعليم دور كبير في انحراف الشباب؛ حيث ينصدم الطالب بعد تخرجه أنه لا مكان له في الجامعة أو ميدان العمل بسبب التعقيدات التي تفرض كل سنة. * الفراغ مع وجود المادة خلق من بعض الشباب عرضة للبحث عما يثير حياته بأمر جديد ليخلق منه بطلا بسبب قلة المتابعة والوعي سواء من الأسرة أو الجهة التعليمية. * التهاون الاجتماعي إما خوفا من العيب أن يفتضح أمر الاسرة التي ابنها غائب أو يحمل فكرا ضالا أو قناعة الأسرة بأن ما يقوم به الابن طيش ويزول ناهيك عن الاتكال الكلي على الجهات الأمنية في حفظ الأمن دون التبليغ عند الشعور بخطر خصوصا من بعض البيوت التي هي شبه خاوية في الحي وهي في الحقيقة ربما تكون مأوى للمخربين. نتائج الإرهاب وأوضح القراش، بأن هناك حربا ضروسا ولا زالت يقوم بها أسود الداخلية ضد تلك التنظيمات الإرهابية التي تستهدف أمن البلد فمنذ عام 1979م، والحرب مع أصحاب الأفكار المنحرفة مستمرة؛ حيث بلغت في إحدى الإحصائيات أن عدد العمليات 222 عملية إرهابية تم بفضل الله التصدي ل 194 عملية فيما نفذت 28 عملية ذهب ضحيتها مواطنون ومقيمون ورجال أمن ولم يسلم منها حتى ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز-حفظه الله-الذي تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة كادت أن تقضي على حياته. جهود المملكة ولفت أن للمملكة جهودا في مكافحة الفكر الإرهابي وهي من أوائل الدول التي تصدت بحزم لتاريخ الإرهاب بجميع أشكاله الفكري والمسلحة منذ حادثة جهيمان وحتى يومنا هذا بما يعرف تنظيم الدول الإسلامية في الشام والعراق "داعش"؛ حيث اكتوت بناره كثيرا وفقدت من أبنائها عددا ليس بالهين، ولكنها كانت ولازالت تضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بأمن واستقرار البلد والحيلولة بين أبنائها وأصحاب الفكر الضال من خلال الضربات الاستباقية التي اتبعتها منهجا جعل العالم يقف لها بإجلال ويقر بدورها الريادي في التصدي لأصحاب المنهج التخريبي. ولفت بأن كل تلك العمليات الإرهابية لم يكن هدفها دينيا ولا وطنيا ولا حتى شخصيا وإنما كانت لتنفيذ أجندة تخريبية خارجية فاسدة تريد أن تسبب في هذا البلد الآمن المطمئن البلبلة وسلب مقدراته وتغيير ثقافته وقناعاته. وأكد مؤسس برنامج صمود للوقاية من الإرهاب، أن الحرب على الإرهاب مسؤولية جماعية اجتماعية يتحملها البيت والمسجد والمدرسة والمعهد والكلية والنادي، ويأتي في مقدمة كل تلك الأطراف الخطاب الديني والإعلامي؛ حيث يجب توظيفه بشكل يتلاءم مع فكر الشباب بأسلوب يحتوي ميولهم وأفكارهم وطاقاتهم وإبداعهم مع إشراك كافة مؤسسات الدولة في هذا الجهد ومحاسبة المقصر ومكافأة المحسن، ولنكن منصفين أن الجهات الأمنية بكافة أقسامها قامت ولا تزال بالدور المنوط بها بكل جدارة واستحقاق بدليل الضربات الاستباقية للتنظيم والشهداء والمصابين، لذا يجب أن يعي المجتمع أن المواطن هو الجندي الأول وسكوته عن مواجهة الخطأ ومحاربته خطأ أكبر فليس من المنطق أن تقوم الدولة بكل الأمور والمواطن عالة لا يشارك برأي ولا بجهد لخدمة الدين والوطن. الخدمات التي يقدمها المواطن لوطنه وأوضح أن ابرز الخدمات التي يقدمها المواطن لوطنه هي إحسان تربية أبنائه ورعايتهم فكريا وعاطفيا وعدم تركهم للشارع ليربيهم أو لوسائل التقنية التي أصبحت تقوم بعمليات اختطاف منظمة كان نتيجتها: قتل ابن والده، وقتل ابن خاله، وقتل زوجة لزوجها، وقتل ابن عم لأخيه، واستقصاد رجال الأمن، وتفجيرات في المساجد وآخرها الحرم النبوي. من أسباب الإرهاب: حدة الخطاب الديني والتهاون والفراغ والتعليم ولازالت السلسلة مستمرة كل يوم والمملكة تفجع بمصيبة كان ضحيتها مواطن وأبطالها ممن يسمون أنفسهم بالذئاب المنفردة تخلوا عن إنسانيتهم قبل دينهم ووطنيتهم والسبب إهمال الأسرة لأبنائها. أسباب ظهور هذا الفكر وقال د. فايز الشهري عضو مجلس الشورى ومستشار في الإعلام الجديد، لا يوجد سبب محدّد للإرهاب العالمي يمكن أن يُعالج وبالتالي تتلاشى الظاهرة، ولكن يمكن القول أنّ لكل حالة أو ظاهرة إرهابية مسببات متنوعة، وبشكل عام تكشف الدراسات أن هناك أسبابا عامّة مجتمعية للإرهاب ويدخل ضمنها الأسباب الفكرية، والاقتصادية والسياسية وهناك أسباب فردية نفسية تتعلق بشخصيّة الفرد القابل للاستقطاب لتنظيمات العنف والإرهاب. وتأسف د. الشهري أنه ومنذ أكثر من عقد ونصف ارتبط مفهوم الإرهاب العالمي بجماعات وتنظيمات ترفع شعار الإسلام وهي تنظيمات ظهرت فقط لتبرير تدمير بلاد المسلمين ناهيك عن أنها أساءت للإسلام والمسلمين، ومع هذه التنظيمات تحول الإرهاب إلى تهمة للمسلمين مع أن الإرهاب في الأصل ظاهرة غربية نشأت مع الحروب الغربية وحركات المقاومة ضد القوى الاستعمارية التي صنفتها تلك الدول بالإرهابية. طرق الوقاية وأكد أنه من أفضل السبل لتخفيف استقطاب دوائر الإرهاب للمزيد من الشباب هو العمل على قطع الأسباب الداعمة له، وهناك العديد من الإجراءات المهمة في هذا المجال ومن أهمها دراسة وبحث حجج دعاة الإرهاب وتفنيدها، وأيضا تصحيح ومراجعة بعض القضايا التي قد تستغل لاستقطاب الشباب للعنف. ومن المهم في الجانب التعليمي التركيز على تعليم فن عمار الحياة ودور المسلم في بناء روح الإنسان وقيمه، ومحاضن التعليم هي المكان الذي يقضي فيها الطفل والمراهق والشاب معظم ساعات يومه في سنوات التكوين ولذلك فإن مهمة هذه المؤسسات تعد الأهم والأكثر تأثيرا في تعليم الفكر الناقد وتعزيز القناعات الحميدة والسلوك الإيجابي عند الشباب. وعن دور الأسرة أوضح د. الشهري، أنه يأتي في البناء والتأسيس للشخصية المحصنة ضد التطرف والعنف. لا يمكن للمدرسة أو المجتمع أن يعالجا الكثير من مشكلات الشاب الذي يخرج من منزله وهو يحمل شخصية مهزوزة أو مترددة أو قابلة للاستقطاب للانحراف، ومن هنا ينبغي علينا جميعا مراجعة كلمة "المسؤولية" ونبحث في أوجه قصورنا في منازلنا ومؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية ومن ثم نتكاتف لتنفيذ برامج تسهم في إعداد الشباب للمستقبل وللبناء لا أن نحبطهم ونزرع اليأس في أروحهم ومن ثم نخرجهم للعالم شخصيات مشوشة لا تجد حاضنا إلا العنف وتنظيماته. المناصحة وقال د. محمد المنيعي الأستاذ بكلية الدراسات القضائية والأنظمة -جامعة أم القرى- عضو لجنة المناصحة بوزارة الداخلية، من قضايا الأمة التي تفرض نفسها على الساحة اليوم، وهي نوع من أمراض الشبهات التي عصفت بفكر جملة من شباب الأمة اليوم: فتنة التكفير، ومحاولة الانخراط في البؤر القتالية التي تعصف في بعض البلاد الإسلامية، والانضواء في الخلايا التي تخطط لتدمير البلاد والعباد. وأضاف د. المنيعي، أن هذه القضايا الخطيرة التي تسلك منهج المواجهة والتدمير تحتاج إلى علاجها بتغيير الفكر بالفكر نحو المنهج المطلوب عبر جميع الوسائل الممكنة من إعلامية وغيرها، ولا بد أن يساندها الاستباقات الأمنية لشل حركة الخطط الإجرامية المبرمجة للإخلال بأمن البلاد، والضرب بيد من حديد على كل محاولة لنشر الفوضى في البلاد، والتعدي على العباد. وأوضح أن وزارة الداخلية وإن كانت -في الحقيقة- إدارة أمنية تقتصر عنايتها بالنوع الثاني من العلاج، وهو العلاج الأمني، إلا أنها أخذت على عاتقها مسؤولية الأمن الفكري، فقامت به خير قيام، بل لا نبالغ أن نقول بأن قيامها بهذه المسؤولية يضاهي قيام الأجهزة التعليمية والدينية والدعوية؛ حيث عنيت بالإصلاح الفكري لأصحاب الفكر الضال، ولها جهود مباركة أنجزت من خلالها الكثير من التحولات الفكرية لأصحاب هذا الفكر، لمن هم في السجون أو خارجه، آخذة على عاتقها التطوير المستمر، والجهد الدؤوب لما يخدم المصلحة، ويبني أفراد المجتمع بناء صالحا، محصنا من التأثر بالتيارات الفكرية الضالة، وداعية إصلاح، وأنموذج صلاح. ونبه بالقول، إننا لا نتعامل مع فكر حادث سرعان ما ينتهي، ولا مع تخطيط بدائي سرعان ما ينكشف، بل يجب أن نعلم أننا نتعامل مع فكر متأصل الجذور، بعيد المدى، ضارب في عمق التأريخ الإسلامي منذ بزوغ فجره، وسيكون آخر ظهوره مع المسيح الدجال، كما أخبر بذلك المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، كما أن هذا الفكر يسير في خطط محكمة، وتدخلات دولية، وتنظيمات معادية، للقضاء على الدول الإسلامية بيد أبنائها وفلذات أكبادها. د. فايز الشهري عبدالرحمن القراش