انتقد الباحث في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية ومكافحة الإرهاب والأمن الإلكتروني الدكتور محمد الهدلاء بعض الفئات التي هاجمت لجنة المناصحة، ووصف ذلك بأنه طرح ينطوي على خلط ومغالطة، وأن من يعمد إلى النقد الهدام إنما يحكم من فراغ متخبط، وينطلق من فرضيات يتصورها عن كيفية طرح اللجنة لمعالجة الشبهات. وأضاف أن لجنة المناصحة مشروع وطني انبرى له المتخصصون من أهل العلم وأن أي نقد هدام يعني العودة إلى نقطة الصفر، وكشف أن اللجنة لا علاقة لها ببقاء الموقوف وخروجه من السجن، مشيرا إلى أن مبادرة وزارة الداخلية في المناصحة فكرة غير مسبوقة نالت احترام وتقدير العالم أجمع وأن التجربة تمثل أنموذجا لتغليب الجانب الإنساني والأبوي في التعامل مع المتطرفين والمغرر بهم. وأضاف الهدلاء في حوار المواجهة مع «عكاظ» أن سبعة مختصين شرعيين يتفاعلون ويحاورون الموقوفين من خلال عشر مواد دراسية تتضمن التكفير والولاء والبراء والقوانين الفقهية للجهاد، مؤكدا في ذات الوقت أن العريفي ليس من الأعضاء والقرني والنجيمي تركا المركز لظروفهما الخاصة. وأضاف الباحث في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية ومكافحة الإرهاب أن الجهود الفكرية حتى الآن لم تواكب الجهود الأمنية في الحرب المصيرية على الإرهاب. وقاية وعلاج ثم رعاية مواجهة الإرهاب بالفكر الصحيح كيف تمضي خطواته الآن؟ وزارة الداخلية إلى جانب عملها الميداني الذي نجحت فيه انشغلت بالجانب الفكري، مع أن الأمر ليس من اختصاصها، بل أنه من صلب عمل مؤسسات التنشئة، ونتيجة لتقصيرنا في هذا الجانب عملت الداخلية في هذا المجال بمثابرة ونجاح تام، ولعل الدافع من مبادرات الداخلية خلو الساحة من أي جهود حقيقية من قبل الدوائر المسؤولة مثل الإعلام، التربية والتعليم، الشؤون الإسلامية، وهذا الخلل الفكري الناتج عن تقصير مؤسسات المجتمع دفع وزارة الداخلية كي تضطلع بهذا الملف الفكري، فعملت على تبني استراتيجية محاربة الإرهاب بالفكر. وعملت الداخلية على ثلاثة أسس الوقاية، العلاج، ثم الرعاية التي تستهدف إعادة دمج الشباب.. بينما تبقى القوة من الخيارات المطروحة، فهي ليست الطريقة الوحيدة للتخلص من التفكير الإرهابي. وارتكزت الاستراتيجية على خطين متوازين، وقائي وميداني، وهي فكرة لم يسبقها أحد في العمل بها في أي دولة، حيث لم تقتصر الداخلية معالجتها أمنيا وفكريا فحسب، بل وازنت بينهما، وعلى هذا الأساس تمت الموافقة على تأسيس إدارة خاصة في العام 2007م تحت مسمى إدارة الأمن الفكري، ضمن تنظيم وزارة الداخلية الإداري، ثم تأسيس وتمويل كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمن الفكري في جامعة الملك سعود في العام 2008م، إلى جانب تمويل كرسي الأمير نايف لدراسات الوحدة الوطنية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في العام 2009م، وتشجيع ودعم عشرات الدراسات والأبحاث الخاصة بظاهرة التطرف وارتباطاتها ثم تشكيل فريق عمل من أساتذة الجامعات لوضع خطط استراتيجية للأمن الفكري العربي وتكليف فريق عمل كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري لوضع استراتيجية وطنية شاملة للأمن الفكري في 2010م. الرد على الشبهات المواجهة الفكرية للإرهاب والتطرف استلزمت تشكيل لجنة مناصحة لإرشاد الضالين وإعادتهم إلى المنهج السليم.. حدثنا عن اللجنة وظروف تشكيلها؟ شكلت وزارة الداخلية لجنة المناصحة والرعاية، وهي لجنة شرعية تتكون من العلماء والدعاة والمفكرين بهدف تصحيح المفاهيم الخاطئة والمغلوطة لدى الموقوفين ونصحهم وتوجيههم إلى تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة السليمة وفق ما شرعه الله سبحانه وتعالى وبينه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في سنته النبوية فكان أن تم إنشاء مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية بهدف كشف الشبهات وتوضيح المنزلقات الفكرية التي يتبناها أصحاب الفكر المنحرف الذي يقود إلى الإرهاب كما هدفت اللجنة إعادة الموقوفين إلى رشدهم وتصحيح مفاهيمهم من خلال الاستعانة بعلماء الشريعة والمختصين في العلوم الاجتماعية والنفسية والمثقفين ورجال الأعمال وإتاحة الفرصة لهم لمقابلة هذه الفئات ومناقشتهم بكل حرية والرد على شبهاتهم وانتهاج أسلوب الحوار والإقناع مع بعض أتباع هذا الفكر وتغيير الكثير من القناعات السابقة لديهم وعرض هذه التراجعات عبر وسائل الإعلام. تغليب الجانب الإنساني كيف يتجاوب الموقوف مع برامج المناصحة ومدى تقبلهم للأفكار الصحيحة؟ التجاوب كبير، والكثير منهم تاب وعاد إلى الله، وهذا هو هدفنا الحقيقي الذي نريد الوصول إليه، فوزارة الداخلية تنظر للموقفين بأنهم أبناء الوطن الذين أخطأوا بحق وطنهم وإيقافهم ما هو إلا لإعادة إصلاحهم وأنهم ضحايا لمن غرر بهم ويهمنا إعادتهم لجادة الصواب.. فتحولت تجربة المناصحة إلى أنموذج يمثل تغليب الجانب الإنساني والأبوي في التعامل مع المتطرفين أو المغرر بهم مستمدة منهجها من الشريعة الإسلامية الوسطية فكان النجاح حليفها والأرقام تدل على ذلك. استراتيجية أذهلت العالم هل لديكم إحصائية دقيقة عن مجمل المستفيدين؟ نعم، فالإحصاءات الأخيرة الخاصة بالموقوفين اشتملت على استفادة 7159 موقوفا من لجان المناصحة، ومعالجة 1072 في المستشفيات الداخلية و25 في مستشفيات خارج المملكة، وإعادة 130 منهم إلى وظائفهم، ومساعدة 242 على الزواج. كيف ترون تقبل المجتمع وأهالي المستفيدين لدور اللجنة؟ جهود لجنة المناصحة نالت رضا جميع شرائح المجتمع لما لها من ثمرة انعكست إيجابا على أمن المجتمع وعلى تصحيح فكر الشباب داخل السجون وخارجها عبر ما يوضحه أعضاء اللجنة من حقائق شرعية تتعلق بالفكر، بل إن المسؤولين وأهالي الموقوفين لمسوا التغير الإيجابي في سلوك وتفكير الشباب المتورطين في قضايا فكرية نتيجة للجهود الناجحة.. فالاستراتيجية التي تبنتها المملكة في مكافحة التطرف والإرهاب مبنية على رؤية ثاقبة ودراسات علمية رزينة واقعية وتنفيذ سليم من قبل رجال أكفاء حولوا تلك الاستراتيجية إلى نظرية وجدت الإعجاب على مستوى العالم بل إنها تحولت لمطلب ملح من قبل الدول التي تعاني من تفشي داء الإرهاب في مفاصلها.. على ماذا ارتكزت استراتيجية المركز؟ المركز يقدم دورا مهما لعدة أسباب، أهمها أنه يوفر بيئة حقيقية لتوضيح الحقائق للفئات التي تم التغرير بها وأصبحت بحاجة إلى أن تعرف حقائق الفكر الذي تنتمي إليه، كما أن تلك الفئات هم من أبناء المجتمع الذين يجب توجيههم إلى المسار الصحيح من خلال إعادة تأهيلهم فكريا ونفسيا واجتماعيا لكي يعودوا عناصر فاعلة وإيجابية في المجتمع.. أن الأسلوب المتميز الذي تعاملت به وزارة الداخلية من خلال برنامج المناصحة مع ما ظهر من بعض الشبان من انحراف فكري أبلغ الأثر في عودتهم إلى طريق الصواب، مما جعل بعض دول العالم ومنظماته المعنية تشيد به، بل وتسعى إلى تطبيقه، وذلك باعتباره لا يقل أهمية عن العمل الأمني الميداني، أن برنامج المناصحة والرعاية استفاد منه الآلاف وأفرج عن الكثير منهم ولم يرجع منهم إلا القليل جدا لا تتجاوز 5 %، مما يعني نجاح هذه البرامج في تصحيح اتجاهات الشباب الفكرية.. تشكيك في الجهود قلت إن هناك من رجع بعد المناصحة؟ إن فشل المناصحة مع هذه النسبة البسيطة من العائدين يرد عليها قول الله سبحانه (من يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا). إن الذين عادوا نسبة ضئيلة والأسباب متعددة، منها عائد للشاب نفسه فعدم استفادة 5 % من المناصحة ربما يعود لتأصل الفكر التكفيري لدى هؤلاء الشباب أو تأثرهم بالفكر التكفيري بعد خروجهم، وطبعا هذا لا يعني أن كل من تاب وعاد إلى جادة الصواب يلزم مباشرة إطلاق سراحه؛ لأن إطلاق السراح منوط بالجهات الأمنية والعدلية، خصوصا من تورطوا بإعمال مخلة بالأمن كالتفجيرات والقتل وأعمال العنف وغيرها وهذا ليس منوطا بأعضاء لجنة المناصحة ثم أن آلية معينة للجهات الأمنية تضمن معرفتها التامة بتحركات من أطلق سراحهم بشكل لا يسمح لهم بالهروب والالتحاق بتنظيمات وخلايا مشبوهة وبالإمكان إلزام من أطلق سراحه بتحديد موقعه للجهات الأمنية خلال 24 ساعة، لكن.. بعد هذه التجربة الناجحة التي لقيت صدى عالميا ومحليا نجد اليوم من يشكك في جهود هذا المركز ويطعن في القائمين عليها رغم أن سبق وبينت وزارة الداخلية أن اختيار العلماء المتعاونين في لجان المناصحة تتولاه لجنة علمية متخصصة لدراسة مسوغات التعيين. وبحسب المتحدث باسم الوزارة فإن الكلمة النهائية تكون للجان، وذلك وفق معايير مبنية على التخصص الدقيق وسلامة المنهج والقدرة العلمية وقوة التأثير والحكمة في الطرح. بماذا تفسر تصرف من يهاجم وينتقد اللجنة؟ يخطئ البعض حينما يحكم على لجنة المناصحة بالفشل ويطالب بتغيير آليات أعمال المناصحة دون أن يكون لديه الخلفية التي تمكنه من الحكم الصحيح على ما تقوم به اللجنة من عمل فاعل والقاعدة الشرعية تقول إن «الحكم على الشيء فرع من تصوره»، فكل من اطلعت له على كتابة أو طرح إعلامي في انتقاد اللجنة ليس عضوا فيها فهذا الطرح ينطوي على خلط ومغالطة، مما يؤكد أنه يحكم من فراغ متخبط في الخوض في كيفية عمل اللجنة مع الموقوفين، ومنطلقا من فرضيات يتصورها عن كيفية طرح أعضاء اللجنة لمعالجة الشبهات التي علقت في أذهان الشباب وعلى رأسها مسائل الجهاد والولاء والبراء. ثم لجنة المناصحة والرعاية مشروع وطني وفكرة صائبة من صاحب السمو الملكي وزير الداخلية، ومن يهاجمها فهو يحاول هدم مشروع وطني انبرى له المتخصصون من أهل العلم الشرعي والنفسي والاجتماعي والأمني من أعضاء في هيئة كبار العلماء وأساتذة جامعات ومختصين مشهود لهم بالاستقامة الوطنية والغيرة على هذه البلاد ترابا وشعبا. ومن هنا نقول إن دعم هذه اللجان بالرأي والاقتراحات النافعة هي الوسيلة لاستمرار نجاحها أما النقد الهدام فمعناه العودة إلى نقطة الصفر قبل قيام هذه اللجان. ألا ترى أنك تبرئ أعضاء اللجنة من الأخطاء؟ عزيزي.. إن إشادتي بجهود المناصحة لا يعني هذا عدم وجود قصور فإن القصور من طبيعة البشر لكن لا يجوز أن تقلب الأمور ويحكم بالفشل على جهود يكمل بعضها بعضا. وبماذا تفسر انتكاسة من تخرج من برنامج المناصحة وعاد للقيام بإعمال إرهابية كما حدث مؤخرا.. ألا تسمي ذلك فشلا؟ لا يضير هذه اللجان حتى إن شذ بعض المناصحين وحصل لهم انتكاسة بعد خروجهم من الإيقاف، فمعلوم أن لكل قاعدة شواذ وقد يكون من مبدأه موافقة المناصح له ظاهريا من باب التمويه والكذب ويعتبر ذلك دينا يدين به مع الأسف. العريفي والقرني والنجيمي هل للجنة علاقة ببقاء الموقوف أو خروجه، أم أنه برنامج إصلاحي فقط طيلة فتره المحكومية؟ لجان المناصحة لا علاقة لها ببقاء الموقوف أو خروجه، فقط في محكومتيه يستفيد من البرنامج الإصلاحي ثم أن هناك أسماء تطرح لبعض الأكاديميين على أنهم من لجان المناصحة وهذا خطأ ويتم الحكم الجائر على الأعضاء بالزج بمثل هذه الأسماء التي لا علاقة البتة لها بالمناصحة. 60 ساعة دروس وحوار يخضع المستفيدون في برنامج المناصحة إلى دروس وحوارات عميقة، وقد بلغ عددهم العام الماضي 2336 مستفيدا، خضعوا ل 60 ساعة شهرية من الدروس الشرعية، يقدمها 131 مختصا إسلاميا من بين 220 أكاديميا في تخصصات مختلفة. وتقوم اللجنة الشرعية المكونة من سبعة مختصين شرعيين بالتفاعل مع الموقوفين من خلال تقديم عشر مواد دراسية تتضمن مواد في التكفير والولاء والبراء والبيعة والإرهاب، إلى جانب القوانين الفقهية للجهاد.. ويتم ترتيب الدروس الشرعية التي تكون ضمن برامج اللجان بناء على الفئة العمرية المستفيدة من البرنامج في سبيل تصحيح عدد من المفاهيم، أبرزها التكفير ، والقصور في فهم أحوال إعانة الكفار على المسلمين، ودرجات إنكار المنكر.. وغيرها من المسائل الشرعية. تعزيز الوسطية وروح الانتماء تعود نشأة مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية إلى تاريخ 12/10/1427ه، بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، ويعتبر المركز مؤسسة إصلاحية تربوية تعنى بتنمية المهارات المعرفية والسلوكية من خلال مجموعة من البرامج التي يقوم عليها نخبة من أصحاب العلم والخبرة في التخصصات العلمية المتنوعة. ويسعى القائمون عليه أن يكون أنموذجا عالميا لتحقيق الأمن الفكري، المرتكز على وسطية الإسلام وتعزيز روح الانتماء الوطني.