أصبح العالم يتحرك حول الإرهاب وليس الإرهاب هو من يتحرك نحو العالم، فالإرهاب الذي يضرب أوروبا اليوم لم يكن عملاً مصدراً لها من الخارج، فبعض أبنائها من المسلمين هم من قام بهذا العمل الشنيع، تحت تأثير قناعة إيمانية ترسخت لديهم داخل أوروبا وليس خارجها، قناعة تكفيرية تعزل الإنسان عن مسقط رأسه ومجتمعه وآبائه عزلاً لا ينفيه للخارج ويسهل عليه إرهاب العالم وهو في مكانه.. تلك القناعات التكفيرية تجدها في باريس وبرلين والرياض ولندن والقاهرة وغيرها، فالإرهاب اليوم لا يحتاج الى دار هجرة لينطلق منها في عملياته، بل يحتاج لضحية أينما كانت لينفذ فيها جريمته، فالإرهابي متوفر في كل مكان والضحية كذلك. إذاً على العالم ان يمنع الإرهابي من الوصول الى الضحية حتى لا تقع الجريمة، هل هذا عمل بسيط أم مستحيل ومعقد؟ المصدر التعليمي والتربوي للجماعات الإرهابية واحد، فكيف استقام هذا المصدر في اوروبا وأقام فكرا ارهابيا مدمرا، معرفة المصدر امر في غاية الضرورة لكي نعطي برهانا عمليا في تقديم الاتهامات ونفيها، اما ان ترمى الاتهامات على هذه الدولة وتلك لمجرد انها إسلامية فذلك افتراء وتعدّ غير مقبول.. الأمر الذي لا يحتاج لتبصر استخباري كبير هو ان اوروبا استقبلت العديد من الجماعات الإرهابية في الثمانينيات والتسعينيات وأعطتهم حق اللجوء السياسي وسمحت لهم بإقامة مدارس خاصة بهم ومناهج اشرف عليها هؤلاء التكفيريون، فقد يكون هذا الجيل الاوربي المسلم من الارهابيين هم نتاج طبيعي لتلك المحصلة التربوية التي صدرت في اوروبا وليس خارجها، الأمر الآخر انه بعد احداث 11 من سبتمبر تم المنع والتضييق على المراكز الإسلامية التي تشرف عليها وتدعمها دول بذريعة منع الفكر الإرهابي من الانتشار في بلاد الغرب، الا ان الاحصائيات تفيد بان الإرهاب زاد بعد عمليات المنع، وهذا يجعلنا نفكر جيدا بدور أصحاب الفكر الإرهابي الهاربين من اوطانهم ومستقرين في اوروبا، كيف علموا فكرهم التكفيري ولمن علموا.. قد يكون بعضهم في السجن الآن وبعضهم طرد وآخرون حذروا انفسهم من خطر الاعتقال قبل التحذير منهم. اوروبا اليوم تحتاج لدعاة مصلحين وليس لجماعات تكفيرية للقيام بالدعوة، وهذه مهمة الدول وليس الأفراد، فإعادة الاعتبار للدعوة التي تشرف عليها دول بعينها أمرا لا بد منه، قد يتطرف البعض ويقول: لا تحتاج أوروبا الى دعاة ولا دعوة متأثرا بعمليات القتل والتغطيات الإعلامية الداعية لإخراج المسلمين من اوروبا، الا ان الأمر ليس كذلك، فالمسلم في اوروبا اليوم مواطن له حقوق وعليه واجبات، والإسلام دين عالمي والدعوة له أمر قانوني، ولفض الاشتباك بين الرفض والقبول، نعود الى الاتفاقيات بين الدول التي تنص على التعاون الإنساني والثقافي والاجتماعي فيما بينها، والدعوة لا تخرج عن هذه المهمات، فلو قامت جامعة الإمام بمبادرة دعوية إسلامية في اوروبا، تتضمن إعداد الدعاة والمناهج الدعوية بالصورة المعروفة عنها كمنبر دعوي عالمي، فوظيفتها الأساسية انها على الدين قائمة وله، فهذه الجامعة لها باع طويل في الدعوة، وكذلك لها تجارب علمية كبيرة في محاربة الفكر المتطرف بالعلم والدين، فالإسلام في أوروبا يحتاج لمثل هذه المبادرات ليخلص ويتخلص من مخلفات التربية الإرهابية في بلاد الحرية، والمعلوم ان جامعة الإمام تحتضن كرسياً لليونسكو، تلك المنظمة الدولية المتخصصة في الثقافة الكونية، فقد يكون من صالح الإسلام والعالم أن يكون هناك شراكة بين اليونسكو وجامعة الإمام لبناء منهج الدعوة وإعداد الداعية الذي يقدم الإسلام بنقاء إنساني طاهر، فالإرهاب في أوروبا علاجه في الإسلام، أما غير ذلك ستكون لنا وقفات مع حملات الكراهية والعنف بتتابع مستمر لا يتوقف، فنحن في هذه البلاد نحمل مسؤولية تصحيح الأخطاء عن الإسلام في العالم، ولن يكون ذلك إلا من خلال مبادرات عملية قابلة إلى التنفيذ، فالتردد عن إطلاق المبادرات هو من يجعلنا دائماً في دائرة الاتهام. [email protected]