توالت ردود الأفعال على الأمر الملكي الذي نص على تجريم القتال خارج المملكة بالسجن لمدد تتراوح بين 3 سنوات إلى عشرين، كما نص على تجريم دعم أو الانتماء للتيارات التي توصف ب»المتطرفة» و»الإرهابية».. فقد وصف مراقبون ومختصون هذا القرار بأنه ضروري للحد من توغل هذه التيارات في الداخل السعودي، كما وصف بأنه يمنع الانقسامات والتحزبات داخل المجتمع ويحافظ على وحدته وأمنه وسلامة مواطنيه. "المدينة" استطلعت أصداء الأمر الملكي من قبل علماء ودعاة ، وأعدت بذلك التحقيق التالي: في البدء رحب الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معالي فضيلة الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ بهذه القرارات قائلا في الواقع أنها قرارات حكيمة أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تنم عن وجود بعد نظر لما يحتويه من قرارات مانعة، وتزيد من حماية الوطن والمواطن من شرور الفتن وتبعاتها ودفعًا لمن تسول له نفسه المساس بأمن الوطن واستقراره والإساءة للإسلام والمسلمين من خلال أطروحاته أو تأييده أو تعاطفه لأصحاب الأفكار الهدامة ورعاة الفتن ومشعليها، مؤكدًا أنه قرار حكيم وفي مكانه وسيحمي بفضل الله عز وجل ومنه أبناء هذا الشعب من دعاة الشر والفتن وملوثات أصحاب العقول المريضة، الذين لا يقدرون الأمور بقدرها ويقعون في مخالفات الشرع المطهر، فالله عز وجل قال «َياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» فطاعة ولى الأمر واجبه على كل مسلم عليه أن يسمع ويطيع بالمعروف، أما من حاول عصيان ولى الأمر ومخالفة الشرع والمساس بأمن الوطن والمسلمين فلا له إلا الحكم الشرعي، الذي سيرد المخالفين إلى الطريق المستقيم. فالحمد لله الذي يسر هذا القرار ووفق خادم الحرمين الشريفين لتبنيه وأمر بالعمل بموجبه لحماية الفرد والجماعة والوطن. وحول الانتماء للأحزاب الفكرية والفكر المتطرف قال آل الشيخ يجب أن يكون الانتماء من الجميع لكتاب الله تعالى وسنه نبيه صلى الله عليه وسلم والدولة دولة إسلامية دستورها القرآن الكريم والسنة النبوية وكتاب الله كفيل بأن ينظم أمور الإنسان والحياة والآخرة خير تنظيم فمن يخرج عن كتاب الله عز وجل فلا بد له من رادع فنحن أمة إسلامية نشأنا وترعرعنا تحت رعاية ولاة أمر يحمون الكتاب والسنة في جميع الأمور فمن خرج عن هذا الطريق فلا بد أن يدفع شره عن الإسلام والمسلمين فنحن أمة وسط فلا تطرف ولا غلو ومن يخرج عن جماعة المسلمين فليس له إلا الشرع المطهر فهو كفيل بردعه وتأديبه، وهذه الأنظمة صدرت توافق الشرع والمصلحة، التي يراعيها المشرع في الحفاظ على الضرورات الخمس ومنها المحافظة على فكر الناس وعقيدتهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم. وقال آل الشيخ أن كافة أطياف أبناء الوطن تلقفوا هذا القرار بالترحيب والسرور لما فيه من عظيم المصلحة في الحفاظ على البلاد والعباد شاكرين لخادم الحرمين الشريفين كريم صنعه، وطالبين الله عز وجل أن يطيل في عمره ويجعله ذخرا للإسلام والمسلمين. الحد من النفوذ ------------- وأوضح الكاتب والباحث في الجماعات الإسلامية خالد المشوح أن الأمر الملكي لا يتكلم عن الانتماءات الفكرية والقناعات العقائدية، وإنما ينص الأمر الملكي تحديدًا على الجماعات الإرهابية والمتطرفة، كما أن نص الأمر الملكي حدد هذا بشكل واضح المصنفة محليًا أو إقليميًا أو دوليًا فهي إذن المنظمات الإرهابية المتطرفة، أما القناعات الشخصية أو الميول الدينية فلا أعتقد أن الأمر الملكي يتكلم عنها لا من بعيد ولا من قريب.. وأكد المشوح أن المملكة دولة إسلامية تحكم بشرع الله وتحافظ على التدين وتدعمه بأشكال متعددة.. وعن اختلاف تصنيف التيارات الإسلامية كتنظيمات إرهابية من دولة إلى أخرى أوضح المشوح أن التصنيف إما دوليًا أو إقليميًا أو محليًا، كما أن ذلك التصنيف لابد أن يستند على حيثيات قانونية وليست مجرد اتهامات إعلامية. وأكد المشوح أن القضايا المدان فيها الشخص بشكل واضح هي الانتماء أو القتال أو الدعم، أما باقي الأمور مثل تبني بعض الشعارات أو غيرها فلا يعتقد المشوح أنها تدخل ضمن هذا الإطار، كما يرى المشوح أن تطابق وجهات النظر مع بعض التيارات في بعض القضايا ليس بالضرورة أن يصنف كانتماء أو دعم لتلك التيارات.. وكشف المشوح أن الأمر الملكي كان واضحًا للحد من نفوذ «الجماعات الإرهابية» في المملكة العربية السعودية، كما أنه يصب في مشروع محاربة الإرهاب الذي تبنته المملكة منذ فترة طويلة، وأشار المشوح إلى أن الوضع الإقليمي وضع مقلق ينبئ بتغيرات كبيرة جدًا فهناك توترات في جنوب المملكة وشمالها من ناحية سوريا والعراق، بالإضافة إلى منظمات إرهابية أخرى مثل حزب الله وغيره، كل ذلك احتاج إلى نوع من القانون للحد من نفوذ مثل هذه التيارات في الداخل. الاختلاف المذموم ----------------- أما استاذ الدراسات العليا بقسم العقيدة في جامعة الأمام محمد بن سعود بالرياض الدكتور عبدالعزيز العسكر فقال هذه اﻷوامر جاءت في مكانها لتوضيح موقف المملكة قيادة وعلماء وشعبا من اﻻفتراق والتحزب في الدين المنهي عنه في قوله تعالى « إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ» وقوله سبحانه «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»، ومعلوم خطر التفرق والتحزب واﻻنتماء لمسميات وجماعات ما أنزل الله بها من سلطان فهو يؤدي للاختلاف المذموم واﻻقتتال وتفريق الجماعة وإضعاف اﻷمة كما هو حال بعض بلاد الإسلام. وأعداء المسلمين يستغلون هذا التشرذم ويصبون الزيت على النار ليشغلوا المسلمين بالعداوة والبغضاء لتبقى اﻷمة ضعيفة مشلولة .فجزى الله قائدنا الملك عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين خير الجزاء على هذه المبادرة لعلها تنبه بعض شبابنا حتى ﻻيغرر بهم المتاجرون بالدين والدعوة والجهاد.ويجب على الجميع التعاون لتنفيذ توجيهاته حفظه الله. زيادة المهلة ------------ من جانبه قال المشرف على كرسي الأمير سلطان للدراسات الإسلامية الدكتور خالد القاسم: إن هناك ضحايا من الشباب للجماعات المتطرفة والتكفيرية، موضحًا أن من هؤلاء الشباب من قد يعودون إلى أوطانهم فيكفرون ويفجرون، وأشاد القاسم بالمهلة التي أعطيت حتى تترك فرصة لمن أراد أن يتوب من الشباب، واقترح القاسم أن تزاد هذه المهلة، وأن يتم التأكد من أفكار الشباب وعدم اعتناقهم للأفكار التفجيرية والتكفيرية، وأكد القاسم على دور العلماء والإعلام في تبيان خطورة التطرف والإرهاب لأنه ليس واجب الدولة فقط، وإنما واجب المجتمع بشكل عام.. وأشار القاسم إلى استفادة الجميع من دروس الماضي وما حصل في أفغانستان وغيرها، موضحًا أنه ليس من العيب الاستفادة من دروس الماضي.. وأكد القاسم أن الجهاد سيبقى من شعائر الإسلام العظيمة، لكن الانضمام إلى بعض التيارات التكفيرية فيه مفاسد عظيمة خاصة على بلدنا، وأوضح القاسم أن سوريا على سبيل المثال ليس بها راية واحدة فقط، وإنما بها رايات عديدة بعضها معتدلة وبعضها متطرفة، لذلك فالشباب الذين يذهبون إلى هناك لا يدرون تحت أي راية سينخرطون. وأضاف القاسم أن أهل سوريا لا ينقصهم الرجال حاليًا، وإنما ينقصهم الدعم المادي والمعنوي، لذلك على الدول الإسلامية أن تساهم في توحيد صفوفهم، خاصة أنهم تركوا لمفردهم فلا المجتمع الدولي ناصرهم، كما أن عليهم هجوما شرسا من متطرفي الرافضة.. وأشار القاسم إلى أهمية التعامل باللين والرحمة مع الشباب الضحايا في هذه القضية، وأن نغلب جانب العطف في التعامل معهم كالطبيب المعالج ولا بأس أن تكون هناك عقوبات كما أنه لا بد من احتواء الشباب الذين يسلمون أنفسهم أو التائبين، بالإضافة إلى إعطاء مهلة لمن هم ما زالوا يعتنقون الفكر المتطرف، وانتقد القاسم بعض وسائل الإعلام التي تؤجج هذه القضية وتظهر وكأنها معادية للجهاد أو الدين مؤكدًا أن مثل هذه المعالجات لا تؤدي إلى حل وإنما إلى فتن بين الناس.. وأوضح القاسم أن الموقف واضح الآن وليس فيه لبس فالجهاد لا بد أن يكون تحت راية واضحة يدعو لها العلماء وولاة الأمر. حايل والنابل ------------ ومن جانبه قال الداعية الإسلامي المعروف والمستشار الأسري الشيخ خلوفة الأحمري: نحن في عالم اختلط فيه الحابل بالنابل والحق بالباطل والهدى بالظلال ومع كل هذا الزخم واختلاط الأمور على المسلمين بعامه قل الناصح وتحولت بلدان إسلامية قريبة وبعيدة إلى مواطن نزاع واختلال أمن وسام أعداء الله المسلمين فيها سوء العذاب. ولأننا في هذه البلاد الخيرة محط أنظار المتربصين بنا وبشبابنا وأمننا واستقرارنا استغل بعض من في قلوبهم مرض ما عليه شبابنا من حماس للخير وحب لنصرة إخوانهم فلا يشك أحد في صدق نواياهم وإخلاصهم لكن هذا الفعل لا يقبل عند الله لمجرد الإخلاص إلاّ باتباع لرسول الله، من هنا زج بكثير من شبابنا في صراعات ونزاعات وفتن لا يعرف من يديرها ولا من يقف وراءها، فكانوا -مع شديد الأسف- وقودًا لها وضحيه تباع وتشترى، بل وارتكب بهم أبشع الجرائم في حق الأبرياء وكانوا ألعوبة في يد مخابرات من هنا وهناك ووجدوا أنفسهم تحت رايات عدوهم وعلى سمعه وبصره وأمره. وأضاف الأحمري الحقيقة أن علماء هذه البلاد ودعاتها حذروا كثيرًا من هذه الأمور وقالوها بكل وضوح وصراحة، لكن الإعلام أحينا يغض الطرف عن ذلك، فقد جاء هذا المرسوم ليكون بمثابة الحصن لشبابنا والسياج المنيع أمام المتربصين بهم ، وجاء كذلك ليقف في وجه تلك الأفكار المسمّاة تنويرية وليبرالية وإلحادية وغيرها ممن تنتمي لمنضمات وأفكار تريد النيل من ديننا ووحدتنا وولاة أمرنا بالدعوة للمظاهرات وانتقاص ديننا وثوابتنا سيكون هذا الأمر السامي حفاظًا على ثوابتنا ووحدة وطننا من كل فكر دخيل. النهج الصحيح --------------- من جهته قال الباحث الاجتماعي صالح بن سعد السبيعي: إن هذه الأوامر تؤكد أن المملكة العربية السعودية تسير على النهج والطريق الصحيح في القضاء على الإرهاب عالميًّا وداخليًّا فبهذه السياسة بيّنت للعالم أن المجتمع السعودي يرفض الزج بأبنائه في ساحات القتال أو الانتماء لمنظمات إرهابية أو حزبية أو فكرية تسعى لخلخلة الصف وإحداث الفرقة في المجتمع. وأضاف السبيعي إن حكومة المملكة باتت تدرك الخطر الكبير الذي طال أبناءها والذي كان أثرها واضح وجلي في استغلالهم والتغرير بهم في تنفيذ مخططات تهدف لخدمة أحزاب ومنظمات غير شرعية فضلا عن زعزعتها لأمن المملكة الداخلي من خلال بث سموم هذه الأفكار عبر أبناء المجتمع المغرر بهم وهذا واضح ويشاهد عبر برامج التواصل الاجتماعي وبخاصة تويتر الذي تتربع المملكة على نسبة من مستخدميه في العالم. وأردف السبيعي أن المجتمع السعودي بات بحاجة إلى توعية حقيقية للحد من هذه المخالفات وردع المفسدين الذين ينخرون في جسد المجتمع عبر حسباتهم في تويتر ومواقعهم عبر الإنتريت والتي من خلالها تنصب الفخاخ وتزرع بذور الفتنة ويتغذّى عليها شباب الوطن ليكونوا ضحايا وأدوات فساد في أيدي المتربصين. لذا حرصت حكومة المملكة على إصدار هذه العقوبات ومتابعة كل مفسد للحد من نشاط المروجين والمغررين بالشباب، ووضع حد لكل من يخالف هذه الأوامر ويتجاوزها أو يتستر عليها أو يتعاون مع المفسدين بأي وسيلة أو طريقة وإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.