تشكل الأمراض الاستقلابية مجموعة معينة من الأمراض الوراثية المتنحية، بمعنى أنها تنتقل إلى المولود من أبوين يحملان طفرة جينية (خلل في الجينة الموروثة) لتؤدي لإصابة المولود بالمرض، وتكون نسبة الإصابة بنسبة 1 إلى 4 من كل حمل، أي ما نسبته 25% من كل حمل. ويحتاج المولود إلى حليب الأم للنمو والتطور، عن طريق تحويل الغذاء إلى بروتينات وفيتامينات وأملاح ونشويات ودهون وبالتالي إلى خلايا جديدة وطاقة لحفظ الصحة واستمرارية الحياة، ويتم تمثيل الغذاء في خلايا الجسم عن طريق خمائر تؤدي أدوارها المنتظمة والمحددة في عملية الاستقلاب (تمثيل الغذاء) إلى أشكال أخرى أساسية في تكوين الخلايا وتجديدها واستمراريتها. وما يحدث في الأمراض الاستقلابية، هو خلل في عمل هذه الخمائر، ما يؤدي إلى تحولها لسموم متراكمة يعجز الجسم عن التخلص منها أو التكيف معها، فتنتشر هذه السموم في جسم الإنسان لتتلف الأعضاء الرئيسية (الكبد، الكلى، الدماغ، الخ..) وتعطل عملها، وهكذا يصاب المولود بالمرض وتتفاقم حالته المرضية سوءاً، مسببة الإعاقات العقلية والحسية والجسدية وقد تؤدي إلى الوفاة. إن هذا الواقع المؤلم للمصابين بهذه الأمراض، وانعكاسات الإصابة على الحياة اليومية للمرضى وعائلاتهم متعددة ومختلفة، فهي تتعدى البعد الصحي، إلى البعد الاجتماعي، والاقتصادي، والنفسي، والحضاري، فقد دلت الإحصائيات المبدئية المتوفرة لدى مركز الأبحاث بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، إلى وجود إصابة بهذه الأمراض بنسبة (1) من كل (1000) مولود، بينما تختلف نسبة الإصابة بين نفس الأمراض بنسب متفاوتة وتتكرر الإصابة بين المواليد نتيجة زواج الأقارب، حيث يوجد أحيانا أكثر من مصاب بنفس الأسرة. أما بالنسبة للبعد الاقتصادي والحضاري، فلا يخفى اثر وجود فئات المعوقين، على الاقتصاد الوطني والتقدم الحضاري، إذ إن الحرص على رعاية هذه الفئات وإدماجهم في المجتمع كعناصر فاعلة، عدا عن كونها واجب إنساني وحضاري، فإنها عملية مكلفة ماديا، وتحتاج إلى إنشاء العديد من المراكز المتخصصة، والمنشآت الخاصة، وتحضير وتدريب الكوادر البشرية، وتأمين الوسائل البديلة، وتوفير العلاجات، والمشافي، الخ... فهذا عالم متكامل يحتاج إلى جميع الأسس المعهودة والمتبعة مع الأصحاء لإعطائهم حقهم في حياة كريمة وخالية قدر الإمكان من المعاناة والألم، كما وتجدر الإشارة، إلى الدراسة التي أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية بالمملكة والتي أظهرت أن نسبة الإعاقة في المملكة تبلغ 4%، وهو رقم كبير. إدراكاً لهذا الموضوع وحرصاً من ولاة الأمر على العناية والرعاية لهذه الفئات من المرضى، بادرت وزارة الصحة بتبني برنامج الكشف المبكر على حديثي الولادة وأمراض الغدد والقاضي بالكشف المبكر على المواليد لتجنيبهم أثر الأمراض الاستقلابية وإعاقاتها، ويتم الكشف على المواليد خلال ال24 ساعة إلى 72 ساعة الأولى من الولادة، ويتم الفحص على المواليد عن (17) سبعة عشر مرضاً، اختيرت من الأمراض الأكثر انتشارا في السعودية، ولله الحمد جميعها يتوفر لها طرق علاجية مناسبة. ونشير هنا إلى أن الطرق العلاجية المتوفرة، وفي حالات كثيرة قد تعتمد على تعديل في نوعية غذاء المولود، أو إعطاؤه كمية معينة من الفيتامينات، أو قليل من الهرمونات، والتي تؤدي إلى تحسين الوضع الصحي للمريض، وتخفيف حدة المرض، وهذه العلاجات غير مكلفة ماديا. وقد تم تجهيز مختبرات خاصة لإجراء التحاليل المتعلقة بالتمثيل الغذائي بوزارة الصحة، وتم تزويدها بأحدث التقنيات العالمية في هذا المجال وتوظيف الكوادر العلمية من أصحاب المعرفة والخبرة الطويلة في تشخيص هذه الأمراض وذلك لتحقيق الأهداف المرجوة في تجنب الإعاقة، وتحسين الوضع الأسري والاجتماعي لعائلات المصابين، وتقديم الاستشارات العلمية والإرشادات الاجتماعية في الأمراض الوراثية، على أمل الرقي بمستوى الخدمات الصحية والرعاية لهذه الفئة من المرضى، وبالمجتمع السعودي إلى أفضل المستويات الطبية والإنسانية. * مركز الأبحاث