إن ما أثمره الربع الأخير من القرن العشرين، في الأغنية، على مستوى الخليج العربي، مظلة أغاني عبدالكريم عبدالقادر ود. عبدالرب إدريس، مع الشاعرين: بدر بورسلي وعبداللطيف البناي منذ عام 1972 على أن ألحان عبدالرحمن البعيجان التي ملأت وشغلت الحناجر منذ الستينيات خفتت سريعاً، وتوازيها تجربة طلال مداح بألحان سراج عمر ونصوص بدر بن عبدالمحسن ومحمد العبدالله الفيصل. فقد تقدمت رباب منذ 1979، بألحان خالد الزايد مع شعراء عدة، كالبناي وفايق عبدالجليل ومبارك الحديبي، بوصفها الصوت النسوي الفردي والخلاصي، من بعد جيل الصوت النسائي الجماعي، عودة المهنا وعائشة المرطة، وتوازى معها كل من عبدالله الرويشد ونبيل شعيل بألحان راشد الخضر وسليمان الملا وعبدالله الرميثان. إذا كانت آمال أحمد باقر تبددت لاعتزال اكتشافه لعالية حسين كما تبددت آمال الملحن محمد شفيق مع سارة قزاز، فإن الخضر حقق ما عجزا عنه فدفع إلى المشهد صوت نوال ليس لمنافسة رباب، وإنما لتكون الوجه المؤنث لصوت الرويشد على أن حضور محمد المسباح، مع يوسف المهنا ومرزوق المرزوق، لم ينافس حناجر جيله، بل ليعوض تعثر كل من حناجر حسين جاسم ومصطفى أحمد وغريد الشاطئ، ما جعل باقر يطلق مقولته: جاء الصوت الذي انتظرناه طويلاً.. تكشف مسيرة عبدالقادر ورباب عن معمل غنائي خاص لكل منهما في صناعة أغانيهما استفاد منهما شعيل مرات عدة بينما اعتمد الرويشد ونوال على هبات الشعراء والملحنين الغزيرة حتى فقدا الخضر ما أخل توازنهما. حين فرضت لغة مشعل العروج الغنائية في منتصف التسعينيات، فهي آذنت بنهاية عهد الخضر والملا، ما جعله مؤهلاً فاستلم راية صوتي الرويشد ونوال، وتخصيص جهد كبير لراشد الماجد، على أن لغة العصر قدمت كل من عبدالله القعود وفهد الناصر وطارق العوضي. تموج خطاب الأغنية الكويتية، من هوس الطرف الواحد، وضعف العاشق المخدوع، ووداعة المعشوق اللامرئية حتى وضع عبدالقادر معجم الاغتراب والمواجهة، وأضافت رباب لغة المحاور المتمردة، صعدها الرويشد مع الملا بينما انشغل شعيل بالأغنية –الشكل، وتنوعت مصادره من ألحان ذات النصف نغمة، بمذاقات أوروبية ويمنية ومغربية. وبنت نوال عالمها الغنائي، بين أحلام الفتاة الوردية، والسيدة مساومة التقاليد، فجمعت توليفة غنائية توازن تحلل مصادر الأغنية الكويتية محلياً، وتوالف عناصر "الأغنية الخليجية" إقليمياً. أسهمت في الأغنية الكويتية عناصر نغمية وآلية من جنوب الجزيرة "عمان" -الملحن أحمد الزنجباري وراشد سالم الصوري-، ومن شمالها "الزبير" -سعود الراشد وعبدالرحمن البعيجان ويوسف المهنا، ومن شرقها "عربستان/الأهواز" محمود الكويتي -عائلة النقي-، تصفت خلال عقدي الخمسينيات والستينيات، واستعيدت عناصر مصفاة فتحولت إلى طعم تحتكم إليه الدرجة لا النوع، كالحضرمي من اليمني، وأعيد الطعم الزبيري إلى أصله الحساوي والنجدي، بأثر من ألحان الموسيقار طلال فترة الثمانينيات والتسعينيات، وألحان رابح صقر وناصر الصالح، مع التنبه إلى المسكوت عنه بأن روح بشير حمد شنان تحوم خطاها في شرايين "الأغنية الخليجية" من بعد وفاته عام 1974. فإذا يحفظ الفضل للخضر، وملحنين ترسموا خطاه، الدفع بنوال بوصفها سندريلا الغناء الخليجي في بداياتها "أربع سنين، قول أحبك، تبرأ، فارس أحلامي، جت بالخطا، عنينا، سولفنا"، فإن الصالح بنصوص علي عسيري كرس من شخصية السيدة مساومة التقاليد، بين التحدي والتهميش، في نماذج "أعاني، غلطة وأنا المسؤول، انتهى الأمر، يا سيدهم"، ثم رسم خارطتها ثنائي تركي/طارق محمد "شمس وقمر، تفاصيل، تبغى الصدق"، بينما تحمل العروج لعبة التوليف التي تكسر الرتابة الناتجة عن إعادة تدوير الموضوعة الواحدة على درجات مستنفدة، بنكهات نغمية تتخذ من الاستعارة النغمية والإيقاعية التركية والمغربية واليمنية تلويناً لا يمس البنية "تعب قلبي، الشوق جابك، نور الدنيا" مضاداً لأسلوب الملا في الثمانينيات الذي كرس من البعد الدرامي في النغم لا الشكل والنكهة. تكرس من ذلك مجموعة "نوال 2016" الجديدة تتخطى مفعول العناصر المحلية في "الأغنية الخليجية" مستوعبة عناصر منقحة ونكهات تتمايز، فصار التنويع الصوتي لا يقف على أوتار الحنجرة بل اللهجة، ولا يقف على الجملة الموسيقية بل الفاصلة النغمية.. إنها توليفة نوال الخليجية..