بعد انقضاء العيد كان أطفال جيلي أيام زمان وفي مثل هذه الأيام يعيشون فراغا وحزنا لفراق عزيز.. جاء بلبس جديد وألعاب وحلويات مرتبطة به.. أقل ما يتسم به وفرة القريض آنذاك.. وأشد ثقلا على الأنفس عند انتهاء العيد.. هو عودة الدراسة.. وهو هَمٌ يتوارثه الطلبة صغار السن جيلا بعد جيل.. وبمناسبة ذكر الدراسة.. لا بأس من تخصيص سوانح اليوم عن الدراسة.. وثمة حقيقة فيما يخص التعليم الابتدائي أيام زمان.. وهي تفاوت أعمار الطلبة في نفس المرحلة الدراسية.. ففرق العمر بين طالب وزميله في نفس الفصل قد يصل لسنوات خمس أو يزيد.. والسبب في ذلك هو التهاون في تسجيل الطلبة آنذاك وعدم التقيد بالعمر.. وسبب اختفائها هذه الأيام هو تطبيق النظام وليس بسبب ذكاء الجيل الحالي فقط و(دلاخة) أطفال جيلي كما يحلو للبعض اعتقاده.. وقد حدثني صديق عزيز انه قضى سنوات عشر أو تزيد في المرحلة الابتدائية.. منها سنوات ثلاث في السنة الرابعة لعدم مقدرته على حفظ جدول الضرب.. وكان قد سمع بأن أديسون طُرد من المدرسة بسبب إعادته وسقوطه في رابع ابتدائي لأربع مرات.. إلا أن صديقي لم يطرد من المدرسة وانتقل للخامسة لينجح بعد بضع سنين في الدور الثاني.. ووجد باب العمل ينتظره.. فاكتفى بالخامسة وتوظف في إحدى الشركات (كيتب) ومن حصل على الخامسة آنذاك أشبهه بمن حصل على الماستر.. ومن أسعفه الحظ ونجح من السادسة (الساته) وحصل عليها.. كمن يحمل البي إتش دي هذه الأيام.. ماعلينا.. ومن نافلة القول أن معظمنا لم نكن نحضر معنا (فسحة) أو نمتلك قروشا لنشتري من المقصف.. فنأتي بعد أن ضربنا صحن الفول.. وكان في فصلنا طالب شامي كالذي مثله فهد الحيان في طاش ماطاش.. كان أحد الزملاء يقوم بسرقة فسحته.. وكان سعيدا.. فمرة تكون سندوتشة جبن بالمربى ومرة سندوتشة طحينية وهكذا.. إلا انه في إحدى المرات لم يستسغ طعم السندوتشة وكاد يرميها.. فصارح مصطفى ليسأله عن هذا الطعم الغريب.. فقال مصطفى إن الماما عملت له هذه المرة زعتر بالزيت.. فتوقف بعد ذلك عن سرقة (فسحة مصطفى) ولا يكتمل حديث الدراسة إلا بذكر ما يحدث في نهايتها وانصراف الطلبة.. فلا يخلو فصل من تهديد بين طالب وآخر (الوعد الطلعة) أو (أشوفك في الطلعة) فكم من مرة (ضربنا وانضربنا) في الطلعة.. وبالنسبة للمراهقين قد تتطور مضاربات الطلعة إلى مضاربات جماعية يتدخل فيها مراهقون من خارج المدرسة.. تستعمل فيها العصي والعجرا.. قد تسيل فيها الدماء إلى الركبة.. وإلى سوانح قادمة بإذن الله. * مستشار سابق في الخدمات الطبية.. وزارة الداخلية.