وفد المتلمس هو وابن أخته طرفة بن العبد على عمرو بن هند فنزلا منه خاصته وكانا يركبان معه للصيد، فيركضان طول النهار، فيتعبان، وكان يشرف فيقفان على بابه النهار كله لا يصلان إليه، فضجر طرفة فقال فيه : فليت لنا مكان الملك عمرو رغوثا حول قبتنا تخور وكان طرفة عدوا لابن عمه عبد عمرو - وكان كريماً على عمرو بن هند - فهجاه طرفة فقال : ولا خير فيه غير أن له غنى وأن له كشحا إذا قام أهضما تظل نساء الحي يعكفن حوله يقلن عسيب من سرارة ملهما فهم عمرو بقتل طرفة وخاف من هجاء المتلمس له؛ لأنهما كانا خليلين، فقال لهما : لعلكما قد اشتقتما لأهلكما وسر كما أن تنصرفا، فقالا : نعم، فكتب لهما بصحيفتين وختمهما، وقال لهما : اذهبا إلى عاملي بالبحرين، فقد أمرته أن يصلكما بجوائز! فذهبا فمرا في طريقهما بشيخ لم يرقهما أمره، فقال المتلمس : ما رأيت شيخاً كاليوم أحمق من هذا ! فقال الشيخ : ما رأيت من حمقى ؟ وإن أحمق مني من يحمل حتفه بيده، وهو لا يدري ! فاستراب المتلمس بقوله، وطلع عليهما من أهل الحيرة، فقال له المتلمس : أتقرأ يا غلام ؟ قال : ففض الصحيفة، وقرأها فإذا فيها : إذا أتاك كتابي مع المتلمس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حيا. فقال لطرفة : ادفع إليه صحيفتك، فإن فيها مثل هذا ! قال : كلام؛ لم يكن ليجترى عليّ. فقذف المتلمس بصحيفته في نهر الحيرة، وقال : وألقيتها بالثنى من جنب كافر كذلك أقنو كل قط مضلل رضيت لها بالماء لما رأيتها يجول بها التيار في كل جدول ثم مضى المتلمس حتى لحق بملوك بني جفنة بالشام، وذهب طرفة إلى عامل البحرين، فأعطاه صحيفته، ففصده من أكحليه؛ فنزف حتى مات !