ضمن عملية التطور الرياضي المتواصل في المملكة العربية السعودية، وعلى مدى العقود السبعة الماضية تقريباً، ومع تزايد الاهتمام بالأنشطة الرياضية والشبابية والجماهيرية عموماً، سواء من قبل القطاعات الأهلية أو الرسمية، جرى تأسيس عدد من الأندية الرياضية خاصة في المدن الكبيرة والمتوسطة، وفي مقدمتها مدينة جدة، بوابة الحرمين الشريفين، بالإضافة إلى كل من مكةالمكرمة والطائف والمدينة المنورة والدمام وجازان، ثم تلتها الرياض وبقية مدن المملكة الأخرى كالخبر، وعنيزة، وبريدة، وأبها، ونجران، وينبع، وتبوك، وخميس مشيط، على فترات زمنية متتابعة. وكانت الموارد المالية لهذه الأندية الرياضية تأتي أساساً من قبل بعض الميسورين من محبي الرياضة (أعضاء الشرف فيما بعد) الذين بذلوا مجهودات مهمة في دفع وتطوير الحركة الرياضية السعودية، وحث الشباب السعودي وتحفيزه لممارسة الأنشطة الرياضية، وذلك من خلال إقامة منافسات رياضية على كؤوس وجوائز للفرق الفائزة التي أشرنا إلى بعضها في حلقات سابقة، ومحاولة تعميم المفاهيم الرياضية العصرية الصحيحة، ودعم عملية التسامح الرياضي بين الشباب السعودي، خاصة وأن المجتمع السعودي كانت تسيطر عليه "بعض" العادات والتقاليد والاتجاهات التي كانت تقف حائلاً أمام ممارسة النشاط الرياضي تحت ذرائع ومحظورات معينة إضافة إلى مفهوم عدم تقبل الخسارة(1). وخلال المرحلة التي تلت بداية تأسيس المملكة العربية السعودية، وحتى ضم الحجاز إليها في عام 1344ه، نما وتطور قبول المجتمع السعودي - تدريجياً - للرياضة والأنشطة الرياضية عموماً، وتزايد إقبال الشباب على ممارستها، وقبول أسرهم لذلك، وانخراط الكثيرين في الانتماء إلى الأندية الرياضية حسب ميولهم، وكانت الغلبة للمنتمين إلى لعبة كرة القدم بصفتها اللعبة الشعبية في العالم ككل. وعقب هذه التطورات الاجتماعية المهمة، أصبح للأندية مقرات وملاعب ترابية مسورة وغير مسورة، سواء في داخل المدن أو خارجها، وتزايد عدد المشجعين المنتمين للأندية الرياضية، مما أسهم في دعمها مادياً ومعنوياً. وخلال المرحلة الممتدة من عام 1344ه إلى عام 1372ه تطور مفهوم الرياضة في المملكة العربية السعودية بصفة متباينة في مختلف مناطقها، وكان من الطبيعي أن تحدث التطورات الأولى في هذا الاتجاه في المدن الساحلية، التي حظيت بالخصائص والسمات الأولى للمؤثرات الخارجية في كثير من المجالات، ومن هنا فإن تطور الرياضة والأنشطة الرياضية والأندية بدأ في منطقة الحجاز والمنطقة الشرقية من المملكة في فترة ممتدة، قبل انتقال هذا التأثير إلى مناطق أخرى كالرياض والخرج وما حولهما والقصيم وحائل وعسير ونجران والمناطق الشمالية وغيرها من المناطق الداخلية، وهي عملية طبيعية تتماثل تماماً مع عملية انتشار المؤثرات الثقافية والاجتماعية في أي بلد آخر في العالم، فالمناطق الحدودية والتخوم في أي جزء من العالم، وخاصة السواحل تكون عرضة بقوة للمؤثرات الخارجية أكثر وأسرع من غيرها من المناطق الداخلية. وهكذا ففي عام 1372ه صدر قرار صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل وزير الداخلية في ذلك الحين بإنشاء "إدارة الشؤون الرياضية" في وزارة الداخلية (كما بينا في حلقات سابقة) لتقوم بالإشراف على تسجيل وترخيص الأندية الرياضية ومتابعة أنشطتها، وبالتالي فإن هذا التاريخ يعتبر البداية الرسمية للإشراف الحكومي السعودي المنظم على شؤون الرياضية والأندية الرياضية(1)، والبداية الرسمية للأندية الرياضية السعودية الموثقة والمعتمدة. وفي البداية جرت عملية تسجيل الأندية الرياضية الموجودة في إقليم الحجاز، وجرى تصنيف الأندية الرياضية فيه إلى ثلاث درجات وهي: الأولى والثانية والثالثة، وأقيمت مسابقات شبه تصنيفية، على كأس وزارة الداخلية، وبطبيعة الحال وحيث إن التجربة في بدايتها، فقد واجهت عدداً من الإشكاليات الطبيعية التي تصاحب أي تجربة جديدة في مجتمع يشهد تغيرات متوالية، سواء من حيث اعتراضات بعض الأندية، وتنافسها المتزايد، وعدم فهمها للوائح والقوانين الجديدة، أو من حيث التحكيم الذي استعان بالعديد من الحكام الأجانب، أو من حيث توفر الكوادر الإدارية والفنية المؤهلة لقيادتها، ومن حيث توفر الملاعب والأدوات الرياضية الملائمة، وما إلى ذلك، غير أن التجربة بين عامي 1372-1376ه كانت تجربة غنية في حد ذاتها، أفرزت عدداً من الإيجابيات المتمثلة في سعي الأندية الرياضية إلى تحسين مستوياتها، وحرص كثير منها على الاستعانة بلاعبين أجانب مميزين من السودان ومصر وعدن، ورغبتها الواضحة في الظفر بالبطولات الأولى، واشتداد المنافسة، وتلاشي الفرق الضعيفة أو شبه الوهمية وخروجها نهائياً من الساحة، غير أنه كانت هناك بعض السلبيات مثل الخشونة الزائدة و"خطف" اللاعبين وانتقالهم من ناد إلى آخر بطرق عشوائية؟! والاعتراضات المتكررة على الحكام، والانسحاب وعدم اكمال المباريات، وضعف التمويل المالي، وانعدام العلاج الطبي الرياضي المتخصص، وضعف مستويات التدريب، وغيرها. وقد أقيم أول دوري سعودي رسمي لكرة القدم بصورة عامة على كأس الملك في عام 1377ه، وفاز ببطولة المسابقة فريق نادي الوحدة من مكةالمكرمة، بعد أن تغلب على فريق الاتحاد (4/صفر) في مباراة الإعادة، بعد أن تعادلا في المباراة الأولى (1/1)، وأقيمت مسابقة أخرى في كرة القدم على كأس ولي العهد في نفس العام، وفاز ببطولتها فريق النادي الأهلي (الثغر) الرياضي من جدة بعد أن تغلب على فريق نادي الأولمبي من جدة أيضاً (2/3) في المباراة النهائية التي أقيمت بتاريخ 1377/8/16ه وقد اقتصرت المنافسات في هاتين المسابقتين حتى عام 1380ه على أندية أقاليم الحجاز، وبداية من عام 1381ه(3) بدأت مشاركة أندية منطقة الرياض ثم تلتها بقية المناطق تدريجياً(4). وإلى اللقاء في حلقة أخرى إن شاء الله تعالى،،، (1) الرئاسة العامة لرعاية الشباب، (1419ه)، التطور الحضاري للمملكة العربية السعودية في مجال الرياضة والأندية الرياضية، مؤسسة الممتاز للطباعة والتجليد، الرياض، ص:81، أعداد مختلفة من صحيفة صوت الحجاز وصحيفة البلاد السعودية. (2) المرجع السابق، ص: 85- 86.(3) فاز فريق نادي الهلال من الرياض ببطولة كأس الملك على الوحدة من مكةالمكرمة ب نتيجة 2/3، وحضر الكاتب هذه المباراة التي أقيمت في مدينة الرياض مع أشقائه الذين كانوا يلعبون لنادي الوحدة في ذلك التاريخ. (4) الرئاسة العامة لرعاية الشباب، (1419ه)، التطور الحضاري للمملكة العربية السعودية في مجال الرياضة والأندية الرياضية، مؤسسة الممتاز للطباعة والتجليد، الرياض، ص: 20-21، أعداد مختلفة من صحيفة البلاد السعودية.