المستقرئ للواقع الاجتماعي في المجتمع السعودي يجد أنه مليء بالمتناقضات إلى حد التخمة. بعضنا يطالب بما لا يقوم هو به في حياته الشخصية، بل ان بعضنا يتناقض إلى حد التباين الكلي حين تفصل بين خطواته رحلة طائرة للخارج حيث يتحول إلى شخص آخر يمارس سلوكيات كأن يضرب ابنه بسببها، أو تغلق الأبواب على ابنتها ان قامت بها.. التناقض بات سمة محلية بيننا وبين أنفسنا بل ان كثيراً منا يعتبره جزءاً من خصوصيتنا السعودية، حيث يؤكد بعضنا أنه يفعل ذلك تحقيقاً لرغبة المجتمع أو مؤسساته التي تصر على أن تكون حارساً للقيم والعادات، فيما البعض الآخر يرى أن ذلك جزء من الحفاظ على المكانة الاجتماعية أو الوظيفية التي قد تتطلب أن لا تخرج كما تعتقد أو كما أنت خارج الحدود. التناقض وصل إلى شركة الاتصالات السعودية التي أرادت أن تشارك أيضاً بكل قوة في الحراسة على شبابنا وبناتنا بأن منعت الاتصال ببرنامج ستار أكاديمي بحجة أنه يسيء للعادات والتقاليد السعودية، وهو حقيقة لا يفعل ذلك بل هو يتعارض مع قيم وثوابت الدين، ولكن التناقض ليس في منع الاتصال بل بفتحه أمام برامج ومحطات أكثر قبحاً..؟؟ حيث نجد أن الأبواب أغلقت أمام من يريد دعم المشارك السعودي فيما لم تمنع من تعزيز العري في محطات غنائية أخرى...؟؟ السؤال هل تلك الحراسة فقط لأن أحد أبنائنا اشترك في البرنامج أم لأن نجاح البرنامج لفت الانتباه له، ونحن نكتشف الأشياء من خلال الآخرين...؟؟ البرنامج شئنا أم أبينا يحظى بنسبة عالية من المشاهدين خاصة بين الشباب السعودي والخليجي والعربي عموماً. ذلك التناقض يجعلني أتساءل لماذا نحن لا نرتكز في مواقفنا على ثوابت نحن نقتنع بها، ولا يدفعنا أحد أياً كان لتطبيقها، لأن إغلاق الاتصال على برنامج واحد فقط وفتح الباب لبرامج أخرى لا يحمل في مضمونه سوى تناقضنا حيث استفادت اقتصادياً إحدى شركات الاتصال الخليجية وأيضاً خسر أحد مواطنينا دعمنا له، فيما نحن نناصر فتيات العري في محطة أخرى. إصرارنا على تأكيد التناقض كجزء من خصوصيتنا ليس له ما يبرره لأن مشاركة مواطن سعودي ليست مبرراً لمنع الاتصال به...؟؟ الأخلاق لا جنسية لها والثوابت لا تختلف باختلاف المشاركين.....؟؟ لو أن شركة الاتصالات لدينا أغلقت كافة سبل الاتصال والإرسال لبقية البرامج المماثلة بل والأكثر تفاهة وسفاهة لاعتبرنا ذلك موقفاً يستحق الاحترام بل والمناصرة ولكن أن يكون ذلك لبرنامج واحد فقط.. فهذا أمر يدعو للاستفهام..؟؟ مثلاً هل لأن هناك مشتركاً سعودياً..؟ أم لأن هناك التفاتة رافضة من علماء الدين لهذا البرنامج على وجه الخصوص؟ أم لأن البرنامج يحظى بشعبية كبيرة بين الشباب؟ أم لأسباب أخرى.. بصرف النظر أتمنى أن لا يخرج تناقضنا عن أبواب منازلنا فيصل لمؤسساتنا الاقتصادية حيث ان ذلك من شأنه أن يكون خسارة لنا ومكسباً لغيرنا.. والأكيد ان حراسة ثوابت الدين ليست في الإغلاق بل بفتح العقول التي أخشى انها اعتادت على تناقض لا يحتمله أبناء اليوم..