ان سكنى البلد الأمين وزيارة قبلة المسلمين، امل كل مسلم وغاية كل مؤمن وسؤل كل لبيب وعاقل. غاية نبيلة وهدف سام ومقصد شريف ومطلب اصيل، ملتقى العلماء والعباد والزهاد والمسلمين على مر التاريخ، مجمع الأصدقاء والغرباء والأوفياء على مر الأزمان، انه حنين الأفئدة وشوق القلوب وشغف النفوس. ترنو اليه الأبصار وتمتد اليه الأعناق، تعلق به الخواطر وتلهج به الأفكار. لا تنكروا شوقي الى ام القرى وتهتكي بين الورى من ذكرها ابداً بقلبي لا يزال ربوعها وبناظريّ مصيفها وربيعها انها مكة، انها بكة، انها ام القرى، البلد الأمين ومهبط الوحي. كيف لا تحن اليه الأفئدة وهو بلد الله وبلد رسول الله وصحبه الكرام بلد التوحيد، بلد تضاعف فيه الحسنات وتعظم فيه السيئات، بلد يحرم فيه القتال، بلد مبارك لا يدخله الدجال، بلد يحرم صيده وتنفيره وقطع اشجاره، بلد لا يدخله مشرك، بلد العلم والعلماء، بلد القيم والأخلاق والحضارة والثقافة. كيف لا تحن اليه الأفئدة؟ وهو تاريخ الإسلام والمسلمين وفخرهم وعزهم ومحضتهم. قلعة من قلاع الدين وحصن من حصون الإسلام. مكة ذلك الاسم الخالد في قلب كل مسلم ومؤمن.. كيف لا والقلوب تتوجه اليها كل يوم مرات ومرات؟! بل حتى بعد الموت.. كيف لا وهي ام القرى فلها السيادة والريادة؟! بلد اختاره والله اصطفاه وأقسم به فقال: {وهذا البلد الأمين}. ان من اسراره وفضائله انجذاب الأفئدة وهوي القلوب وانعطافها ومحبتها له، فجذبه للقلوب اعظم من جذب المغناطيس للحديد. انه مثابة للناس يثوبون اليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار ولا يقضون منه وطراً بل كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له اشتياقاً.. لا يرجع الطرف عنها حين ينظرها حتى يعود اليها الطرف مشتاقا فلله كم لها من قتيل وسليب وجريح؟! وكم انفق في حبها من الأموال والأرواح؟! ورضي المحب بمفارقة فلذ الأكباد والأهل والأحباب والأوطان، مقدماً بين يديه انواع المخاوف والمشاق والمتالف والمعاطب وهو يستلذ بذلك كله ويستطيب. وليس محباً من يسعد شقاءه عذاباً اذا ما كان يرضي حبيبه وهذا كله سر اضافته اليه سبحانه بقوله: {وطهر بيتي} وصدق الله: {وربك يخلق ما يشاء ويختار}. بلد نحن اليه النفوس وتشتاق ولو ترددت اليه كل عام استجابة لقول الله: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي اليهم}. كيف لا تحن اليه الأفئدة؟ وهو بلد سطع نوره وأشرقت بهجته ولمعت زهرته وراقت نضارته وتلألأت غرته وتألق حسنه، بلد تطرب القلوب لذكره وتبتهج لسماع ندائه وأذانه، فكيف اذا رأته واستنشقت هواءه وعبيره؟! لا تدري حين رؤياه اتسبق الأقدام ام الأنفاس؟! ايظهر الفرح ام البكاء؟!.