إنها قمة الحب وأصل الكون وروعة العطاء، هي الأم الرؤوم والركن الركين، قلب العالم وبدء التاريخ ومنتهاه، وهي الجغرافيا في الأولى والآخرة، حبها فرض، والتوجه إليها قلباً وقالباً أصل الإيمان . إنها أم القرى وأصل المدائن، منها بدأ الكون وإليها ينتهي بل هي الكون كله مجتمع فيها . قرآن كريم يُتلى آناء الليل وأطراف النهار وأحاديث نبوية شريفة نزلت في فضلها وقدسيتها وحرمها الآمن وآثار عن الصحابة والسلف رضوان الله عليهم أجمعين، كتب كثيرة لا تعد ولا تحصى كُتبت عن سيرتها وتاريخها وجغرافيتها، وكُتبت عن مسائل فقهية وأحاديثية عن أحكامها والساكن بها، وعن تعظيمها وتعظيم حرمها وفضلها عن غيرها من البلاد وفضل الصلاة فيها عن سائر الأمكنة وفضل المجاورة فيها وفضل الموت بها وفضل أهلها، وكانت وما زالت المؤلفات العظيمة التي تتحدث عن تاريخها القديم أو الحديث أو المستقبل تتوالى كعاطفة إنسانية طبيعية لموقعها العظيم في قلب كل مسلم.فضلها لا يمكن أن يحتويه كتاب ويتشوق إليه ذوو الألباب. إنها نبع الإيمان يبقى أبدياً وتاريخ البشرية يظل سرمداً هذه مشاعر مشتركة لكل مسلم عن حبها وفضلها والعلاقة الحميمية معها، هذه ليست مقالة بحثية في مكانتها فهي فوق قدرة كل باحث وليس رصداً تاريخياً لأهميتها فذلك ينوء به كل رصد علمي، البشر يحددون أهمية مدنهم وقراها بأنشطتهم وأفعالهم وأفكارهم البشرية، وهي اختارها رب العالمين من الأزل ومن فوق سبع سموات لتكون نقطة العالم ومحور الكرة الأرضية ومهوى الأفئدة ومغناطيس القلوب ... إنها مكةالمكرمة حب أزلي يسكن القلوب المؤمنة وعاطفة لا نتحكم فيها ودلال يفرض نفسه لمن ألقى السمع وهو شهيد، وهي أحب بلاد الله إلى الله والى رسوله صلى الله عليه وسلم فيها وُلد الهدى فالكائنات ضياء وفيها بُعث محمد صلى الله عليه وسلم سيِّد الأولين والآخرين لا تضاهيها مكانة ولا تجاريها منزلة لأي مدينة أو محافظة أو قرية. لا طمأنينة إلا بجوار بيتها الحرام ولا سعادة إلا أمام كعبتها المشرَّفة ولا راحة بال إلا وأنت في حماها. إنها أم القرى مهبط الوحي مكةالمكرمة وبكة وبها أول بيت وضع للناس المسجد الحرام مباركاً وهدى للعالمين. هذه خواطر محب لها متشرف بسكناها محتم بحماها فلها مكانتها التي لا تجاريها مكانة شاء من شاء وأبى من أبى، فأي محاولات لمقارنة غيرها بها فهي محاولات خاسرة – على حسن الظن بأصحاب تلك المحاولات – وأي تهوين لقيمتها فهو فشل ذريع باء صاحبه بالخسران وأي لأهلها فهو مردود على صاحبه فأهلها أهل الله وخاصته كما جاء في الحديث الشريف . فيا معشر الكتاب عيشوا في مدنكم وافرحوا بها فكل المدن لها محل التقدير والاحترام لكن لا تقارنوها بمكةالمكرمة فمكانتها قررها خالقها عز وجل وبشهادة القرآن الكريم والسنة المطهرَّة ولا تقارنوا مدنكم بها فهي أعلى وأجلَّ وأكبر من أي مقارنة، نسأل الله أن ينزل محبتها في قلوبكم ولا يحرمكم منها فمحبتها أصل الإيمان وموئل القلوب فهي دليل الفطرة السليمة والعقيدة الصافية ولا يعرف ذلك إلا من تفضل الله عليه وغرس محبتها في قلبه فالسعيد من رزقه الله حبها وتعظيمها والمحروم من حرمه الله – اللهم لطفك ورحمتك ورضاك -.