عام مضى، وحل اليوم عام جديد، سنظل نبحث في أيامه عن أنفسنا، وزماننا الذي لن نعرف أين سنجده.. عام مضى كغيره من الأعوام التي مضت واعتقدنا بفقده، اننا نقبض على العام الذي سوف يحل، ونمسك بتلابيبه من أجل تحقيق ما لم يتحقق.. هذا العام الجديد الذي سيغنينا عن العام الذي غاب دون تحقيق إنجاز.. وسيبعد عنا حرج الفشل، وتبدد مخططات أحلام المنجز.. عام غاب، وأتى عام قد يكون أكثر هدوءاً، وأماناً، واطمئناناً.. لن نتحمل طوارئه، ولن نخضع لظروفه القاسية.. ولن نذوب داخل اضطراباته، 2006م هل سيختلف عن 2005م الذي ودعناه أمس بأحزانه وكوارثه التي حلت على الأمة. 2005م الذي احتضن زلزال باكستان المدوي الذي قتل 73 ألف نسمة ودمر قرى بأكملها، وأباد أسراً كاملة، ماذا سيحمل العام الذي يليه. 2005م الذي اختتم أيامه باستشهاد خمسة من الجنود الأبرياء الذين يؤدون واجبهم دون وجه حق من أشخاص امتهنوا القتل حياة وفكراً.. 2005م المليء بالاضطرابات والكوارث الطبيعية، والحوادث الإرهابية المدمرة، التي راح ضحيتها أبرياء ماذا سيخلّف للعام الذي يليه 2006م. هل سيترك له فائضه ليغرقه به؟ أم سيغلق أبوابه ويفتح نوافذ النوايا الحسنة التي تجعل من المسؤولية اختياراً وإرادة، وتحالفاً من أجل الحق.. 2006م حلم يمتد داخله بأن يكتنز كل ما هو جميل، ومفرح، واستقراري، عام نحلم بأن نجد فيه أنفسنا، نتصالح معها، نحميّها بالحافز، والعمل، والتفكير، نعرف كوارثنا، ونجاهد من أجل معرفة أسبابها، والتخلص منها. نعرف أن كوارثنا كثيراً ما كانت من صنع أنفسنا، وليس للغير دخل بها، نتلمس الواقع، ونقف عليه، ونتحكم فيه من خلال المصالح المشتركة والعامة التي لا تحكمها مصلحة فردية فقط.. نتفهم معنى الحياد الإيجابي وليس السلبي، الذي يدفع إلى الهاوية والهلاك.. نستوعب أن الحياة حالة متحركة، مشتعلة بإمكاننا مصافحتها، وبإمكانها العزوف عنا، والهروب إلى دائرة من يستحقونها. ينبغي أن نتفهم معنى أن نكون أو لا نكون، وهذه الكينونة لابد أن نركض داخلها بمزاج متيقظ، نعرف تاريخها، نفنده حتى لا نصبح مثل الأطرش في الزفة.. نحترم ذات الآخر قبل أن نحترم ذاتنا هذا إن كان البعض يعرف ذاته جيداً.. هذا الاحترام يجعلك تتقبل الآخر، تتفهمه، تتعايش معه دون الرغبة في التصادم، أو البحث عن مخبأ انعزالي.. عام جديد لابد أن تحلم فيه بحياة تليق بها، وتليق بك، وتستحق أن تحياها متوسطاً لها لا مهمشاً على أطرافها.. حياة تتواجد فيها منافساً حراً، لا مصارعاً تدعو إلى الأحادية والعنصرية.. حياة تصلح لك، وتصلح لها بعيداً عن ارتباكات الفشل، والاستهانة بالآخر، وإسقاطه من كل الحسابات.. حياة تعيشها بمنتهى الأمانة، والتصالح مع الذات مستوعباً حقوق الآخرين، ومفهوم حرياتهم، قادراً على التعايش مع تفسيراتهم، وتبريراتهم، مؤمناً بالحق الطبيعي لكل إنسان في أن يحيا، ويعيش في كون واسع فقط تحت سيادة القانون، وتحكم القيم، والواجبات الأخلاقية التي تفتح الأبواب لسيادة الأمم، وتحالفها مع النجاح والبقاء والدوام.