اطلعت مؤخراً بين صفحات العدد 88631 من صحيفة «الرياض» الغراء على تحقيق صحفي للأستاذ علي بن خالد الغامدي بخصوص بعض الممارسات الخاطئة في نشاط الصيدليات الأهلية وللحقيقة فلقد صدمت بعنوان التحقيق الرئيس الذي يوحي بتحيز غير مبرر، فضلاً عن وقوع الكاتب في فخ التعميم الواسع، والنظرة السوداوية لمهنة الصيدلة! ومن باب إتاحة الفرصة لإبداء رأينا المتواضع نود توضيح بعض الحقائق للقارئ الكريم: في البداية لقد ذهلت من الاكتشاف الغريب الذي ساقه الأستاذ الغامدي بقوله ان أخطاء الصيادلة (أكثر)! من الأطباء فلا أدري من أي مصدر علمي أو دراسة منشورة استقى تلك المعلومة الغريبة، أم أنها مجرد استنتاجات سريعة وانطباعات عامة! ذلك لأن مثل هذه الحقائق يجب ان تستند إلى مرجع علمي دقيق ومحدد، حيث ان من المعلوم ان وجود الصيادلة في أي منظومة صحية سواء حكومية أو خاصة يقلل من الأخطاء الطبية ويقلل من التكاليف العلاجية الحالية أو المتراكمة، ففي دراسة علمية شهيرة نشرت عام 1999م في مجلة (Clinical Therapy)بهدف قياس القيمة المادية الموفرة نتيجة تدخل صيادلة الصيدليات الأهلية في الوصفات الطبية، النتيجة كانت ارتفاعاً بسيطاً في التكلفة على المريض على المدى القصير نتيجة ارتفاع التزامه بالدواء، هذا الارتفاع كان في البداية، لكنه على المدى الطويل كان ذا نتائج اقتصادية باهرة، حيث انخفضت التكاليف المتراكمة، نتيجة عدم دخول أمراض أخرى على الخط، وتقليل فرص الأعراض الجانبية، والأهم من ذلك عدم تعقد الحالة المرضية أو زيارة غرف الطوارئ مرة أخرى! فمثلاً في حالة مرضى الربو الشعبي، لوحظ ان مقدار التوفير قد وصل ما بين 143- 194 دولاراً لكل مريض في كل شهر، وهذا مبلغ كبير جداً إذا ما علمنا مقدار الانتشار الكبير للمرض في الكثير من شرائح المجتمع السعودي حالياً. أما في دراسة علمية أخرى نشرت عام 1999م في مجلة (JAMA) الشهيرة فلقد تطرق الباحثون إلى دور الصيادلة الحقيقي والبناء في مجال الحد من الأعراض الجانبية للأدوية، ومحاولة خفضها إلى أقل درجة ممكة، وبينت نتائج الدراسة أنه بعد تمكين الصيادلة بالقيام بأدوارهم الحقيقة لمدة ستة أشهر لوحظت النتائج التالية: ٭ تخفيض معدلات الإصابة بالعوارض الجانبية للأدوية بنسبة 66٪. ٭ توفير ما يزيد عن 270 ألف دولار كان من الممكن صرفها على علاج مشاكل طبية ناتجة عن العوارض الجانبية للأدوية. ٭ لوحظ ان 366 من 400 تدخل للصيادلة في الخطط العلاجية يعود إلى أخطاء طبية فادحة للأطباء! ٭ تداخلات الصيادلة توزعت على الكثير من الوظائف مثل: اكمال خطط علاجية ناقصة، أخطاء في الجرعات أو عدد مرات الاستخدام، اختيار أدوية خاطئة، إضافة أدوية زائدة أو مضاعفة التأثير. ٭ لوحظ مقدار التقبل الإيجابي الكبير من أعضاء الفريق الصحي بخصوص الصيادلة، وان 99٪ من الأطباء يمتثلون لتوصيات الصيادلة المشاركين معهم في الفريق. 2- على الرغم من معارضتنا لقيام القلة من الصيادلة بدور الطبيب في التشخيص إلاّ أننا نحب ان نؤكد على أحقية الصيدلي في صرف قائمة محددة من الأدوية دون وصفة طبية، يطلق عليها قائمة أدوية OTC وهي قائمة رسمية معتمدة تصدر عن وزارة الصحة بشكل دوري، صدر منها حتى الآن خمسة إصدارات. 3- الصيادلة مؤهلون بشكل علمي ومهني مناسب، رغم حاجتنا النوعية نحو إدخال مزيد من المهارات السريرية في المناهج الدراسية، أما القول ان نسبة غير قليلة من الصيادلة يثقون في قدراتهم فيضعون أدوية لمرضى دون أن يتأكدوا من حالاتهم، فذلك قول عجيب، لأنه يتحدث بصورة غريبة عن أمور انطباعية تؤخذ في غير سياقها. 4 - أما تحول بعض الصيدليات الأهلية للعمل أكثر من أثنتي عشرة أو أربع وعشرين ساعة يومياً، فهو أمر يبعث على الارتياح وليس على التوجس والخيفة، ويعد بمزيد من الخدمة المميزة، فمن زمن ليس بالبعيد كنّا نعاني من ندرة الصيدليات العاملة طوال ساعات اليوم، وكان المريض حين الحاجة إلى دواء محدد في وقت متأخر الانتظار ساعات طويلة حتى منتصف الصباح حين تبدأ إحدى الصيدليات عملها، كما أن ساعات العمل الطوال تفرز فرصاً وظيفية أكثر خاصة مع افتتاح كليات صيدلة جديدة عبر المملكة، وليعلم الأخ العزيز أن وجود صيدليات فخمة أو شبه فخمة على حد قوله لا يؤثر على سعر الدواء المباع للمريض، ذلك لأن الدواء مسعرّ من وزارة الصحة ومطبوع على العلبة، ولا يمكن التلاعب بذلك أبداً. أما القول إن وجود أرفف راقية وأضواء ومعروضات لها جابية تجعل من يدخل يشتري أدوية لا تلزمه، كلام غير دقيق لأن الأدوية في الصيدلية تعرض في رفوف خاصة خلف الصيدلي، ولا يمكن للمريض الوصول لها أبداً، بينما الرفوف الأخرى فهي لمستلزمات العناية الشخصية والأطفال ومواد التجميل ونحوها، كما أن هذا الحديث يلمح إلى وجود مستوى وعي صحي متدن لدى المواطنين وهذا الأمر غير صحيح. 5 - ذكر الكاتب أن عدد الصيدليات في مدينة جدة وصل حتى الآن إلى 800 صيدلية، وهنا أحب أن أوضح أن المعدل الدولي حسب توصيات منظمة الصحة العالمية يوصي بضرورة وجود صيدلية أهلية لكل 5000 نسمة، وأن عدد الصيدلات الأهلية في المملكة كلها لم يتجاوز 3300 صيدلية على الرغم من أن عدد السكان يتجاوز العشرين مليوناً، وبعملية حسابية بسيطة نجد أن العدد بحاجة إلى زيادة كبيرة، لكن المشكلة الحالية هي في تكدس الصيدليات في مناطق دون مناطق أخرى، مما سبب الانطباع أن عدد الصيدليات مبالغ فيه. 6 - من جهة أخرى فإن استعانة بعض الصيدليات بأي شخص آخر دون الصيادلة في صرف الأدوية يعد مخالفة نظامية وتستحق العقاب، ونحن الصيادلة نعارض هذا الخطأ الشنيع بكافة صوره. غير أن صرف الأدوية بدون وصفة طبية يعد مشكلة مؤرقة لا تزال موجودة لدى الدول النامية، وزارة الصحة بالمملكة سبق وأن أصدرت تعميماً يحظر مثل هذه الممارسات، ولكن ضغط المجتمع وعدم الالتزام الكامل أجهض الفكرة الرائعة، ولكنني أحب أن أشير إلى أن عدداً متنامياً من الصيدليات الأهلية بدأ بتطبيق عدم صرف الأدوية دون وصفة طبية. وفي النهاية أحب أن أشكر الزميل الصحفي الغامدي على حسه الوطني وغيرته على صحة المواطن والمقيم، على الرغم من طغيان الصور النمطية والانطباعات العامة غير الدقيقة، إلا أن مجرد طرح بعض الظواهر السلبية في منظومة العمل الصحي سوف يساهم في تحسين مستوى رعايتنا الصحية الشاملة، فضلاً عن أن الصيادلة والصيدلانيات من أبناء الوطن مطالبون بالعمل على الاجتهاد المهني والتواصل العلمي وتطبيق مفاهيم أخلاقيات المهنة، نحو تحسن الصورة وبناء ممارسة صيدلانية مميزة، شاكراً ومقدراً إتاحة الفرصة لتوضيح وجهة نظرنا.