أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته في الظاهر والعلن واجتناب نواهيه داعياً إلى الفضائل والتقيد بها لأنها بناء الأمة المسلمة. وقال فضيلته في خطبة الجمعة يوم أمس بالمسجد الحرام ان للمرء المسلم كمالاً في الفضائل ينبغي له أن يطلبه حثيثاً كما ان عرضه لنقص وخلل بسبب رذائل يجب الترفع عنها فكمال المرء يكمن في استيفاء أكبر قدر من الفضائل ونقصه يبرز جلياً في التباسه برذيلة من الرذائل. وأشار ان الفضائل المحمودة ما هي إلا سجايا للنفس المؤمنة من مقتضاها التأليف والتآلف بين المتصفين بها على حد سواء فالعفيفان من النفس مثلاً يعرفان حدودهما فيقفان عندها ولا يتزاحمان على مشتهى من المشتهيات لأن من خلق كل منهما التجافي عن الشهوة وحب الذات وكذا الباحثان عن الحقيقة لا يتنازعان ولا يتشاحنان لأن غايتهما مفتوحة وهي الحق والحق ضالة المؤمن متى وجدها أخذ بها. وأضاف ان سجية الباحثين عن الحق هي بذل الوسع في الوصول إلى الحق فلا يوجد حينئذ موضوع للنزاع عن معاطاة الوسائل المؤدية إلى الحقيقة التي أرادها الله وأرادها رسوله صلى الله عليه وسلم. وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام ان كل فضيلة من الفضائل التآلف بين المتصلين بها من حيث الأثر الناجم عنها ولا غرو حين نجد الفضيلة إذا توافرت في شخصين مالت نفساهما إلى الاتحاد والالتآم في الأعمال والمقاصد ودامت الوحدة بينهما بمقدار تمكن تلكم الفضائل بينهما مشيراً ان هذا الأمر ينتقل من الأفراد إلى الأسر ثم المجتمعات ثم إلى الأمة فمناط الوحدة بين هؤلاء جميعاً هو القيمة المعنوية للفضائل الراسخة فيهم حتى يرى الجمهور من الناس كواحد منهم يتحرك بإرادة واحدة ويطلب غاية واحدة وهي الصراط المستقيم الذي أوصى الله به في قوله: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}. وبيّن فضيلته انه إذا ما كانت الغاية واحدة فإن مجموع الفضائل يعد هو العدل في جميع الأعمال فلا يمكن أن يتجاوز أحد من الجمهور في عمله ما يمس به حق للآخر الذي يشترك معه في الوسيلة الموصلة للغاية وهي الحق عند كل.. مشيراً ان الحضارة الوافدة لديها معايير كغيرها من القيم الأخلاقية التي تحددها النسبية مع القابلية بأن توزن بميزانين أو تكال بمكيالين عند من ابتغى غير الإسلام دينا.. أما الفضائل في الإسلام فهي قيمة مطلقة لا مجال في النسبية فيها فالقبيح قبيح والحسن حسن.. كما ان هناك فضائل مشتركة يستوي في التكليف بها جميع أحاد المسلمين.. كما ان هناك فضائل تختص بكل واحد وفق مهنته وصنعته وفنه فقد يطلب شيء من الطبيب ويعد من الفضائل ولا يطلب مثل هذا الطلب من النجار وقد يطلب من العالم ولا يطلب من الوراق وقد يطلب من الحاكم ولا يطلب من السوقة غير انه في الأخير يكون في القيمة المطلقة للفضائل التي تؤلف بين أفراد المجتمع في منظومة واحدة يعمها اسم واحد.. والأفراد في هذه المنظومة كأعضاء تختلف في أشكالها وكل يؤدي عمله لبقاء البنية الجامعة.. كما أودع الله في أبداننا ما يقوم به كامل الجسد مع وقوف كل عضو عند حد وظيفته فلا يطلب من اليد أن تبصر ولا يطلب من العين أن تقذف ولا يطلب من الأذن أن تمشي ولا يطلب من الرجل أن تسمع.. مع أن الكل حي بحياة واحدة.. وأي اختلال يموج بهذه الوظائف فهو اصطفاف بمصاف الانعام كما قال سبحانه وتعالى {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}. وأشار فضيلته كذلك في وظائف المجتمع فلا يحق للطبيب أن ينصب نفسه مفتياً ولا يطلب منه ذلك ولا المفتي أن يكون طبيباً ولا للصحفي أن يكون فقهياً ولا يقبل منه ذلك فالحاكم للحكم والفقيه للفتوى والطبيب للطب والصحفي للصحافة وإلا ستختل المعايير وتنقلب الفضائل ولن يلام بعد ذلك من يأكل الملح ليدفع به العطش. وأكد فضيلته ان أي أمة بنيت من هاماتها ويكون كل فرد منها أخذ بحق الكل لا يسلك مقصداً بعكس مقصد الكل ولا غاية تميل به عن غاية الكل التي خلق الله العباد لأجلها فهي الأمة التي علت فيها الفضائل وسادت في أوساطها مكارم الأخلاق وما يكون في تلكم الأمة من اختلاف في التنوع لا في التضاد وإنما هو من باب جلب المنافع واستكمال المصالح كالجداول التي تمد البحر لتستمد منه.. ولا يحقرن أحد نفسه وسط هذا الكم الهائل من أفراد الأمة.. فالواحد منا ولو كان صغيراً أن يكون لبنة في هذا المجتمع.. وما علينا إلا أن ننظر في حقائق الفضائل لنحكم بما ينشأ عنها من الأثر على حاضر الأمة ومستقبلها ولو فعلنا ذلك أيبقى بعد ذلك للفرقة سبيل وان توافرها ليحيي موات المجتمعات وينبت قفرها ويمطر جدبها.. وأي أمة أولى بأن تبلغ هذا الكمال في السجايا غير الأمة التي قال نبيها صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».مشيراً فضيلته ان تطويع القوى في المجتمعات لن يكون إلا بالدين ولن يكمن أثر الدين في النفوس والمنتمين إليه فيصيبوا به حظي الدنيا والآخرة إلا إذا قام حملة الدين ورؤساؤه وحفظته بأداء ما أوكل الله إليهم من تبيين أوامره ونواهيه وتثبيتها في العقول والقلوب ودعوة الناس إليه وتذكيرهم بأيام الله وان فعلوا ذلك لرأينا الأمة الإسلامية ناشطة من عقالها.. وليس للناس على الله حجة فلابد من توجيه العناية إلى رتق العنق قبل اتساعه وتدارك العلة قبل استحكامها وإلا سيميل ميزان الاختيار مع الهوى فتعم الشهوة وتحكم الشبهة ويصير منطق الناس الدنيا أولاً ثم الآخرة.