أتذكر في طفولتي فرحي بيوم الخميس كلما جاء،لأنه موعد صدور بعض القصص التي كنت أحرص على شرائها في صغري مثل " سمير، بطوط، ميكي، سعد، سوبرمان، الوطواط، ماجد وغيرها " فمن أجلها كنت أسابق تباشير الصباح، ومطلع الشمس للوقوف أمام "مكتبة باوزير " رغم أنها لاتفتح إلا الساعة الثامنة صباحا ،وهي المكتبة الأولى والوحيدة آنذاك التي تبيع الصحف في خميس مشيط، وكان يديرها بنفسه "العم عبدالله باوزير" رحمة الله عليه ،وقد خلفه في إدارتها حاليا ابنه الأكبر "أبو بكر باوزير " لهذا كان يوم الخميس أنيسا بالنسبة لي، وأنا أشعر برفقتي مع تلك القصص التي تملكتها لأقضي معها أجمل أوقاتي، ومن هنا نشأ حب القراءة، وعشقي للكتابة التي كانت نتاجا طبيعيا للقراءة ، ولذلك أجدني مع كل موسم لمعرض الرياض للكتاب استرجع ذكريات الطفولة ،وولعي بالقصص اللامعة التي لم تعد تبهج أطفالنا، أو تغريهم ، أولا لانقطاع عدد كبير منها، والأمر الثاني لدخول مغريات التقنية التي سحبت البساط من تحت أقدام الكتاب الورقي ومعها القصص، والأمر الثالث أن القراءة ليست من اهتمامات الجيل فهي آخر مايجذبهم، علاوة على أن دور " المكتبة المدرسية " والذي كان في عهدنا يختلف عما هي عليه اليوم بالأمس، فالمكتبة المدرسية كانت نشطة، أبوابها مفتوحة طيلة اليوم الدراسي، كانت تعطي فرصة الاستعارة لمن يريد من الطلاب، ومازلت أتذكر تلك اللوحة التي كانت تعلو أحد جدران مكتبة "مدرستي الخالدية " مكتوبا عليها بيت المتنبي " أعزّ مكان في الدنى سرج سابح..وخير جليس في الزمان كتاب " وأتذكر السجل الكبير الرمادي للاستعارة المنزلية ، كلها لعلها شكلت علاقتي وذاك الجيل بالكتاب، ولا أنسى تشجيع والدي الذي كان يوفر لي القصص في طفولتي ،إذ كنت أحصل عليها مجتمعة يوم الخميس، ومن يعرف قيمة القراءة يعرف قيمة الكتاب ،ولذلك استحضر في هذا الشأن قصة لأبي الحسن القالي الأديب اللغوي فقد كانت لديه نسخة في غاية الجودة من كتاب "الجمهرة" لابن دريد، ودعته الحاجة إلى بيعها، فاشتراها" الشريف المرتضى " بستين دينارا" لكنه حينما تصفحها وجد أبياتا بخط بائعها:- أنست بها عشرين حولا وبعتها لقد طال وجدي بعدها وحنيني وما كان ظني أنني سأبيعها ولو خلدتني في السجون ديوني ولكن لضعف وافتقار وصبية صغار عليهم تستهل شؤوني فقلت ولم أملك سوابق عبرة مقالة مكوي الفؤاد حزين وقد تخرج الحاجات يا أم مالك كرائم من رب بهن ضنين فلما قرأها الشريف المرتضي ،تألم لحاله ،وقرر رد الكتاب، وأرسل إليه مالا، هكذا كان تعلق ذاك الجيل بالكتاب.