وأنا في طريقي لمعرض الرياض الدولي للكتاب، خطرت على بالي عبارة -أشك في قبولها اليوم عند بعضهم- تلك القائلة «لو أردت أن تسعد إنسانا فقدم له كتابا» خاصة بعد هجوم التقنية بكل أنواعها، وإفسادها علينا (متعة القراءة التي كنا نستلذ بها) وضعف الاتجاه نحو القراءة، وتراجع الكتاب والصحف أمام الكتاب الإلكتروني والصحف وشبكة الإنترنت، ولا أعتبر هذا الشك تشاؤما، لكن من خلال عملي في الميدان التربوي، وحضوري بعض المجالس الخاصة والعامة، لم أعد أجد ذكر القراءة والكتاب إلا في حسرات وتنهيدات تصدر من صدور ذاك الجيل، الذي تعلق ونشأ مع الكتاب والقراءة، ووجد في معلميه ومدارسه من يشجع على القراءة، وهو جيل لم يكن في محيطه من تسلية أو مصدر للحصول على المعرفة والثقافة، سوى المجلات، والجرائد والكتب النادرة الحصول، حتى أن بعضهم كان يعيد قراءة الكتب التي لديه لقلة الحصول على الجديد منها كسيدي الوالد، ونتيجة للإحساس بالنهم المعرفي الذي لايشبعون منه، وكان يمكن لذاك الجيل في ليال معدودة، أن يقرأ كتابا وكتابين وسط الأجواء الهادئة من كل صخب كما في عصرنا الحالي. وأصدقكم القول أني حينما أحاول التفتيش في المكتبة المدرسية اليوم؛ أشعر بخيبة أمل، وأنا أتساءل، هل لايزال لها تأثير كما كنا نعهد ذلك التأثير في زمننا وزمن من سبقنا، فلا أجد لها أو للكتاب أثرا في حياة طلابنا أو في اهتماماتهم، بل خنقت بمركز المصادر بمدارسنا، لكني أتذكر -وجيل من أقراني قد يذكرون معي- حين كنت أتسابق نحو المكتبة في فترة (الفسحة) وكأن المشهد أمامي الآن، فأتذكر حالي (وأنا أتسابق مع زملائي لأصطف معهم بالدور، وبيدي «سندوتش» بيتي صنعته أمي، وقد تناثرت حشوته من البيض أو الجبن خارجه، أو على أطرافه «لكن جلّ اهتمامي أن أحظى من المعلم، أو أمين المكتبة كما كنا نعرفه آنذاك باستعارة القصص، ومازلت أتذكر سلسلة قصص، أظن غلافها أخضر اللون صادرة من (المكتبة الخضراء للأطفال)، مثل (بدر البدور والحصان المسحور، عقلة الإصبع، الراعي الشجاع، أطفال الغابة) وغيرها. وكانت هناك سلسلة من القصص المترجمة تسمى (الحكايات المحبوبة) أتذكر منها (بياض الثلج وحمرة الورد، سندريلا، أميرة الغابة) وأن أجد فرصة في الحصول على (كليلة ودمنة) ومن يقرأها فهذا منتهى السعادة عندي، كان شغفي بالقراءة فاتحة خير لي، فقد انتقلت لقراءة (القصص) التي تجلبها المكتبات في مدينتي (باوزير – حسنون)، وأجد التشجيع من والدي الذي يشتريها لي مثل (قصة سعد الكويتية، الشبل، ميكي، بطوط، سوبرمان – حسن) ثم عشقت قصص (الألغاز والمغامرات) حتى كنت أعتبر نفسي (سادس «لمغامرون الخمسة» ورابع «المغامرون الثلاثة») من شدة الاندماج والاستمتاع الذي كنت أعيشه مع القراءة، حتى وصلت إلى مرحلة البحث عن مجلدات فيما بعد كقصص (عنترة العبسي) و(الملك سيف بن ذي يزن). وأتذكر أيام أتبادل المجلدات الناقصة مع زملائي لهذه القصص الضخمة، لكنها صنعت هواية القراءة لدينا، ثم انطلقت إلى قراءة (الصحف والمجلات) الصحف السعودية كلها والمصرية، التي أجدها في بيت والدي، من تلك المجلات (آخر ساعة، أكتوبر، المصور، روز اليوسف، الحوادث، الصياد، طبيبك، العربي، مجلة الفيصل، المجلة العربية) لهذا كانت أول عبارة ترسخ في ذاكرتي عن القراءة أذكرها ولا أنساها (القراءة تصنع الرجل الكامل – بيكون).