«لا شيء يخرج من لا شيء» قالت الفلسفة اليونانية، وأنا لست بصدد الكلام على الفلسفة بتجريد، أو الكلام على الفلسفة لذاتها أو في ماديتها، حيث كل شيء مترابط، والأحداث حلقات متصلة، إنما أذكر بما قاله أبو سليمان المنطقي بصدد الفلسفة «متى وجدت عالماً وجدته خفيف المال، ومتى وجدت موسراً، وجدته خفيف البصيرة، فإن ندر شيء، فذلك خارج القياس»، وأستعير، أنا الذي حاول الإرهاب الأمريكي قتلي حقيقة لا مجازاً، المقولة الفلسفية لأبي سليمان المنطقي، كي أبرهن ان الولاياتالمتحدةالأمريكية، في زمننا هذا، هي الموسرة الأكبر، وهي، بسبب من هذا الإيسار، خفيفة البصيرة الأكبر، وقد كانت، في التاريخ القديم، صانعة الإرهاب، ومبدعته بغير منازع، ولا تزال في التاريخ الحديث، صانعة هذا الارهاب، وبغير منازع أيضاً!. يقول لينين: «الإنسان بحاجة إلى مثال، بيد ان للمثال الإنساني علاقة بالطبيعة، وليس بمثال ما فوق الطبيعة» والمثال الذي أنا بصدده والذي تريد أمريكا، في صلف مقيت، وسلاح ثقيل أرعن أن تفرضه على البشرية بعامة، والبلاد العربية بخاصة، هو مثال ما فوق الطبيعة، أي مخالف لها، وعلى نقيض منها، لذلك تزرع الريح، فتحصد العاصفة، ثم لا ترعوي عن غيّها، بل تمعن فيه امعاناً لا يسحب البساط من تحت قدميها، حسب التعبير السياسي القديم، وإنما يجعل هاتين القدمين تغوصان، أكثر فأكثر في الحمأة المستنقعية للعراق، وفي الرمال المتحركة لأفغانستان، حيث يرتد عليها، ما صنعته يداها، فالطالبان الذين دربتهم على القتال، وزودتهم بالسلاح، الخفيف والثقيل معاً، لمحاربة الاتحاد السوفياتي السابق في أفغانستان، يتجمعون الآن، في شعاب ومسالك جبال شاهقة وعرة، لا يطالها الجن، ولا تؤثر فيها قنابل وصواريخ الطائرات والحوامات الأمريكية من كل الأنواع، تمهيداً للانقضاض على جنود أمريكا وأزلامها المتواجدين في أفغانستان، حيث ينقلب السحر على الساحر، وتذوق واشنطن ولندن، مرارة العلقم الذي هو نبتهما، وعبثاً تحاولان مضغه، أو تخزينه كما القات عند بعض قبائل اليمن السعيد. انني كانت روائي، ولست بمؤرخ سياسي وليس لديّ انترنت لتخزين المعلومات، أو أزرار أضغط عليها كما في مراكز الأبحاث الأمريكية، فأحصل على المعلومات التي احتاجها، غير انني أذكر السيدين بوش ورامسفيلد، بأن الإرهاب الذي يزعمان محاربته هو صناعة أمريكية بامتياز، ولن اذهب بعيداً في تذكيري، فأورد ما فعلاه من إبادة وحشية للهنود الحمر، أو ما أنزله رعاة البقر بهؤلاء الهنود، لكنني كمثال فقط، أرغب أن ألفت هذين السيدين، إلى أن الإرهاب كان في أقسى صوره يوم أضرب العمال الأمريكيون في القرن الثامن عشر مطالبين بحقوقهم المشروعة، فأرسلت الحكومة الأمريكية آنذاك، عناصر استخباراتها الذين اندسوا بين العمال، وفجروا القنابل التي زودتهم بها، فتساقط القتلى والجرحى بأعداد كبيرة، روّعت الحركة العمالية في أربع جهات الأرض، لأن حكومة السيدين بوش ورامسفيلد القديمة، اللذين هما من نسلها لا من شهودها، ألقت القبض على زعماء العمال المضربين، وأعدمتهم جهاراً نهاراً، بغير ذنب أو برهان، وبعد أعوام باحت الدماء بأسرارها، وثبت للشعب الأمريكي وشعوب العالم، ان قادة العمال الأمريكيين المضربين أبرياء من التهمة الإرهابية التي كانوا ضحاياها، وان الإرهابيين الحقيقيين هم المرتزقة من عناصر الاستخبارات الأمريكية، وأعلن منذ ذلك التاريخ ان الأول من ايار من كل عام هو عيد العمال العالمي. ان هذه النبذة التاريخية، دليل قاطع وصارخ، على أن الإرهاب ولد في أمريكا، وفي حضانتها نشأ وترعرع، وانه حتى يومنا هذا لا يزال ينعم بهذه الحضانة، وقد باض وفرخ وصارت له وكالات ومعاهد ومراسم، تغذى بأموال دافعي الضرائب الأمريكيين، وان بوش ورامسفيلد وبلير وكل هذه الطغمة، تريدنا أن ننسى هذه الواقعة التاريخية، وربما كان بعض الحكام العرب لا يعرفونها، لكن السعودية المستهدفة بالإرهاب والملك عبدالله الذي برهن أميراً ثم ملكاً، على براعته السياسية، يعرفها ويتقن التصرف حيالها، ديالكتكيا وبامتياز.