تُعد الزراعة في المملكة العربية السعودية من المجالات المتقدمة في العالمين العربي والإسلامي بشكل عام فمن تقنيات إنتاج الألبان وتصنيعها إلى مشروعات الدواجن ومروراً بإنتاج القمح والأعلاف وحتى زراعة النخيل والبيوت المحمية. لعلي أقول إجمالاً إننا بإذن الله بخير ولكن أتمنى من كليات الزراعة والمعاهد الزراعية أن تولي جانب الإدارة الزراعية جانباً من الاهتمام. نحن هنا بالمملكة استوردنا معدات وتقنيات زراعية بمليارات الريالات وقد آتت اكلها أو بعضه ولله الحمد، ولكن لم يواكب ذلك ما تكون للإدارة واقتصادياتها من كثير من الأنشطة التجارية الأخرى وأن الموارد المطلوبة والمتاحة للمزارع تتطلب تفكيراً عميقاً وتبويباً ومنهجية للتعامل معها وفق اقتصاديات واضحة المعالم ترشد المزارع إلى سلوك الطريق السليم في الإنتاج والتسويق والبيع وأن إدخال تخصص أو مواد إدارة المزرعة واقتصاد المزرعة قد يخرج جيلاً من المزارعين بدلاً من موظفين يبحثون عن مكان مناسب حتى لو ابتعد قليلاً أو كثيراً عن تخصصه. إن برامج إقراض البنك الزراعي ومعونات وزارة الزراعة السخية كفيلة لأن تخرج رب عمل بدلاً من موظف، لماذا لا نرى نظام البنك الزراعي يُدرّس كمادة الزامية على كل طالب سواء في المعاهد أو الكليات الزراعية؟ وكذلك الحال بالنسبة لبرامج الدعم الحكومي من وزارة الزراعة وإن القائمين على الكليات والمعاهد الزراعية وهم كما عودونا على الحرص مناط بهم تفعيل خريجي التخصصات الزراعية وتكريسهم بديلاً اقتصادياً واجتماعياً ناجحاً على مستوى الاقتصاد والمجتمع السعودي. إن الاقتصاد الكلي للمزرعة أو الجزئي للنشاط من أهم الأمور التي على الخريج أن يكون لديه إلمام كاف بها. كم ستكون المزرعة بوضع أمثل حينما يكون هم مالك أو مدير المزرعة كلفة الإنتاج بدلاً من كم انتجت المزرعة؟ تصوروا أن صاحب مزرعة لديه عدة محاصيل في مواسم مختلفة ثم لا يستطيع أن يقرر ما الذي سيقدم عليه في الموسم التالي، ثم نشعره بأن هذه هي حالة السوق. كم سنكون مخطئين حينما نخرج أشخاصاً يعرفون فسيولوجيا النبات أو خصائص التربة أو أنواع أمراض النبات والحيوان المختلفة ثم لا ندله على كيفية التعامل الإداري والمالي مع أصول وموارد المزرعة المتاحة أو عن الفرص البديلة. لا ازال اذكر قبل وقت ليس بالبعيد حينما تمت الاستعانة بأحد أساتذة بحوث العمليات لتركيب دورة زراعية مثلى للوطنية الزراعية. لقد استغرقت أشهراً وبيانات هائلة من أجل تحديد الدورة المناسبة. لقد وجدنا أنفسنا أمام تناقض كما يبدو كبيراً بين محاصيل مختلفة واحتياج لتخصيب التربة يتعارض مع احتياجات السوق ومعيار الربحية.. ولذا اطرح تساؤلات: ترى كيف سيدير الخريج مزرعة صغرت أو كبرت، هل لديه مقدرة على بناء هيكل تنظيمي مناسب أو هل لديه القدرة المكتسبة دراسياً على التأقلم مع هياكل الشركات الزراعية والقدرة على الإبداع من خلالها؟، اشك في ذلك وكاتب هذه السطور يتكلم بمعاناة من داخل القطاع ولست منظراً له من خارجه؟! هل يستطيع خريج الزراعة أن يحسب كلفة المنتج قبل البدء بشراء أي مدخلات أو أصول للمزرعة المحددة؟ هل يعلم عن كيفية الاهلاك للاصول أو طريقة حساب كلفة البذور على المنتج المتعدي لأكثر من سنة؟ لا ابالغ إن قلت إن ذلك غير ممكن إلا من استطاع أن يطور قدراته ذاتياً. إن الزراعة ستبقى خياراً بشرياً. كلي أمل أن أرى مناهج التعليم الزراعي وقد صممت لما يحتاجه سوق العمل من داخل الحدود لا من خلال تخصصات ومحتويات مواد مقتبسة من خارج الحدود.