كشف خفاء الفساد ونشر ممارساته وانكشاف أرقامه والتشهير بأحكامه لغة لا تقبل التشكيك لمسار المكافحة ومصداقية جهودها، وبالتالي وفضلا عن المتطلبات القانونية تتحقق القناعة بأن متعاطي الفساد سيلقى الجزاء الناجز والعقوبة الرادعة كي تبقى للمال العام حرمته وللأجهزة الرقابية هيبتها ولموازين العدالة اعتبارها وللأجيال القادمة نصيبها. ولهذا نقول لا أحد ينكر أن مكافحة الفساد تعد من أولويات الاهتمام لقيادة هذا الوطن الغالي لما يفرضه الفساد بكافة صوره من تحييد لأي جهود إصلاحية، وهو بنفس القدر أي الفساد الشغل الشاغل لأبناء وبنات الوطن الغيورين على مكتسبات الوطن الاقتصادية المتفردة، انطلاقاً من ما يكتنفه الفساد من خطر على ما اعتمد من خطط لخدمات وبرامج ومشروعات حيوية تصب في تنمية الوطن ورفاه المواطن، وبالتالي ما يستلزمه القضاء على الفساد من جهد مضاعف وشفافية عالية تهدف إلى القضاء على أسباب الفساد ومسبباته والبيئة المحفزة له، باعتباره سببًا رئيسًا في عرقلة الدفع بعجلة النمو والتطوير والإصلاح. ان ما يقلق حقيقة في هذا المقام هو فعالية أداء الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد، ليس تشكيكا بقدر ما التساؤل يتعلق بعدم وضوح مخرجات جهود هذه المكافحة الممتد دوره لسنوات، وأن ما قامت أو تقوم به هذه الجهات من دور يفترض أنه أسس الآن لثقافة عمل هذه المنظومة الرقابية ورسخ لفاعلية مخرجاتها، بدءا من إجراءات تلقي البلاغات ومرورا بخطوات المسألة القانونية ومراحل المحاسبة القضائية وانتهاءً بصدور أحكام قضائية بالإدانة، ففي ظل تعدد هذه الجهات الرقابية وتنوع مهامها وشمولية اختصاصاتها وتمدد صلاحياتها، وفي ظل تحقق عنصر الزجر الحاضر في نصوص القوانين الخاصة بمكافحة الفساد بحسب تنوع موضوعها واختلاف طبيعتها، تظل الحاجة قائمة أكثر مما مضى لتأطير مقومات عنصر الردع في تلك القوانين والذي غاب أو غيب نتيجة تذبذب مصداقية المخرجات لكي تدرأ أي دعوات للتشكيك في فعالية تلك الجهود، وتصد أي محاولات تؤدي لزيادة استشراء الفساد كنتيجة طبيعية للإحساس بالأمن من العقاب، وذلك لن يكون الا بصدور أحكام قضائية يستحضر بها كل من وسد له أمر إدارة شأن عام بأن صيانة المال العام من عبث الفاسدين غاية وحقيقة لا تقبل التشكيك، وبنفس القدر توثق للمجتمع مصداقية نتائج جهود هذه المكافحة. * مستشار قانوني