ترتكز مكافحة الفساد على منظومة قانونية وتنظيمية وقضائية، وفيما بين ذلك يبرز دور لبعض الجهود التي تساهم في نجاح ثالوث هذه المنظومة، على اعتبار أن هذه الجهود تحدد وترسم مسار وآلية المكافحة وفعاليتها، ذلك وفق منهجية علمية ومؤشرات وأرقام لا تقبل التشكيك لارتكازها على دراسات إحصائية تنفذ لقياس حجم مشكلة الفساد، كذلك بحوث ميدانية تجرى لمعرفة أنماط الفساد الأكثر انتشارا في المجتمع، وكلاهما أي البحوث والدراسات لهما من المصداقية والقبول في الإجابة على استفسارات التقييم الذي تنادي به المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الفساد دورياً لقياس مستوى النزاهة في الدول. نحن في حاجة -بخلاف الطرح العام والنمطي عن الفساد دون دليل علمي- لمعلومات مستقاة من دراسات نوعية وجريئة للإجابة على أسئلة لم يتم الإجابة عليها من قبل، مثل: عرض لأكثر منشآت القطاع الخاص لجوءً لتقديم الرشوة، ومعرفة أكثر القطاعات العامة (مدنية/عسكرية) عرضة للارتشاء، واستعراض أكثر أنماط الرشوة انتشارا، والبحث في الأسباب الحقيقة للجوء الموظف العام إلى الرشوة، ومعرفة هل تقديم الرشوة ظاهرة ثقافية أو روتينية أو موسمية، وما مدى وجود الثقة والمصداقية في جهود مكافحة الفساد، وما هي وسائل تعزيز الثقة في جهود المكافحة، وهل أدى إنشاء هيئة مكافحة الفساد الغرض منه…إلخ؟! هذه عينة لأسئلة مهمة والإجابة عليها تستلزم تنفيذ دراسات وبحوث ميدانية حتى نضع أيدينا بشكل علمي على منابع المشكلة ومكامن التحديات في جهودنا لمكافحة الفساد، ومن ثم يسهل علينا فيما بعد اقتراح الحلول المبنية على مؤشرات ونتائج علمية بشأن التعاطي مع الفساد ومكافحته والوقوف على حجمه وأنماطه ومواطنه، لأنه لا يتصور فعالية ونجاح المكافحة بمعزل عن ما يحدث في المجتمع من سلوكيات وممارسات.