سبق أن ناقشت في مقال نشر في جريدة الرياض بعنوان (تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد) بتاريخ 16/5/2008م تصورا لما يجب أن تكون عليه هيئة مكافحة الفساد قبل إنشائها، وقد بينت في ثنايا المقال أنه ليس هناك وصفة سحرية للقضاء على الفساد، فالمشوار طويل وصعب ويحتاج إلى التكامل بين عدة منظومات، لاسيما وأنه -أي الفساد- قوي ومنظم وخفي، ويعرف متى وأين يظهر، ومع من يتعامل، فالفساد له لاعبوه الأساسيون الذين يوظفون من يكون في الواجهة بدلا منهم، كما أنهم في علاقتهم مع الوسطاء يحرصون على عدم ترك أي أثر يدل على هويتهم أو تعاملاتهم الفاسدة.. ومع ذلك يفترض ألا تكون صعوبة مكافحة الفساد نتيجة لوقوعه خفية سببا للتراخي في مواجهته، أو أن يكون ذلك عذرا لعدم الشفافية في إعلان البيانات التي تعكس مدى تشكل خطوات هذه المكافحة ومصداقية مخرجاتها كي تدرأ أي دعوات للتشكيك في فعالية تلك الجهود، وتصد محاولات زيادة استشراء الفساد نتيجة للإحساس بالأمن من العقاب، فالمتوقع إن يتم التعامل مع الفساد بداية، ليس أكثر، بفحص المعلن من العقود والمشاريع الحكومية من خلال إخضاعها لتقييم معيار “المجرى العادي للأمور”، وبالتالي بقدر ما يظهر لنا أي شبهة من هذا الاختبار، بقدر ما تكون الحاجة لإجراءات بحث وتقصٍ بشكل أوسع، كما أنه من المهم إحاطة المجتمع أولا بأول سواء بنجاحات أو صعوبات المكافحة، لأن بنود شراكة المجتمع في المكافحة تقتضي الشفافية بدءاً بما هو متعارف عليه بنشر البيانات الدورية لعدد البلاغات التي تم تلقيها، والإفصاح عن ما تمت معالجته أو حفظه أو إحالته لجهات التحقيق والقضاء، وبالتالي كشف خفاء الفساد وانكشاف أرقامه، وهذا ليس بكثير على الوطن والمواطن.