عشق الشعراء الطبيعة، سواء أكانت تلك الطبيعة صحراوية أم ريفية أم جبلية أم بحرية، فقد وصفت الطبيعة في العصر الجاهلي كما وصفت في غيرها من العصور عند شعرائها حتى وقتنا المعاصر، وصف الشجر ووظف في الشعر أجمل توظيف، وتمّت استعارة كل من الشمس والقمر والنهار والليل، وأخذ الوادي والبحر والنهر فوضع في مقلة الصورة، فهذا جبران خليل جبران وصف وصفاً بديعاً للطبيعة وأنها تضاهي الدنانير البرجوازية في جمالها، خاصة حينما يصف المطر بالعطر، وأن نور الشمس هو أفضل مايمكن أن يجفف البدن: أعطني الناي وغنّي فالغناء سر الوجود و أنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود هل تخذت الغاب مثلي منزلا دون القصور فتتبعت السواقي وتسلقت الصخور؟ هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب و العناقيد تدلت كثريات الذهب؟ هل فرشت العشب ليلاً و تلحفت الفضاء زاهداً في ما سيأتي ناسيًا ما قد مضى أعطني الناي وغن فالغناء عدل القلوب وأنين الناي يبقى بعد أن تفنى الذنوب أعطني الناي وغن وانس داء و دوا إنما الناس سطور كتبت لكن بما وفي الشعر الحميني الكثير من الوصف الدقيق والعذب والجمل للطبيعة، نظراً لجمال الطبيعة في اليمن السعيد، مابين جبل وريف وبحر ووادي، فكيف إذا كان الوصف لمدينة "إب" الخضراء التي يوجد بها الجبال الخضر، والمدرجات الزراعية، والعصافير الجميلة، والبحيرات والشلالات والأودية، وقد وصفها محمد أحمد منصور أجمل وصف، وفي أبهى صورة شعرية دقيقة, وهو نص طويل جداً، غنّاه الفنان القدير أيوب طارش بعنوان "ياعنب ياعنب" على لحن بديع في السبعينيات الميلادية: غردين ياطيور ... جو الخريف قد تهيأ والعنب في طريقه والليالي سرور ... بقرب باهي المحيا نرتشف طعم ريقه واسعدوا يا حضور ... إلى البساتين هيا كل من هو ورفيقه نجتني في البكور ... من كل عنقود شوية والصباح في شروقه *** حاتمي كالمُدام من حضايا الرجام حِل ما هو حرام ضل من عهد سام في ثغور الدهور ... تحسوه حسو الحُمياء حالمة في غُبوقِه *** روضة الحاتمي ... يا ذكرياتي والأشجان في ظلال العناقيد كرمها العاصمي ... عقيق أو عقد مرجان في صدور الرغاديد والسواد والبياض ... بين الحدائق ألوان والطيور والأغاريد حول تلك القصور ... الناطحات الثريا لكل منها حديقة *** والغصون البدور بين تلك القصور والظفاير تمور وسط تلك الظهور جنة الله يا وادي الحدايق والأعناب والطباع الرقيقة *** ما حلا لي من الدنيا سوى كَرْم همدان والرياض المريعة وكذا السر والوادي وجنة ثقبان والحقول الوسيعة والجداول ترى متلاوية مثل ثعبان والوجوه البديعة ليتني من زمان .. قد كنت للريف سلطان للخصور الرشيقة *** ليتنا ليتنا بين أريافنا للعنب والجنا مع بلوغ المنى من ثغور الملاح .. نجني من الراح سقيا المعتق رحيقه أما في الشعر النبطي، خاصة ما كتب عن البادية، فهناك كثير من الأوصاف الجميلة والمعروفة في دنيا ذلك الفن، ولعل من أشهر تلك الأوصاف ماقاله خلف بن هذال في وصف الصحراء: يوم أنا والريم والطير نسرح في فلات بْدوي وارعى نياقي واتاحي لغنمي والسدر حوّل غصونه على الماء سابحات والغيوم مروحه والصبا تتنسمي في الخلا واخط بالرجل وأقيم الصلاة واشكر الله وأعبده، ماعبدت الدرهمي ناصبٍ بيت الشَعَر والرفاف مشرّعات والذلول مقيّدة والعبيا ترهمي والشبوب السمر والجمر سامر مايبات والطعام التمر نعم الغذاء والمطعمي والرشا والدلو والبير ماعنهن غَناة والجمل والحرث والغرس كنز الموسمي عندي المحماس والنجر ودلالي خوات وانتخي واعشّي الضيف وافخر بكرمي والحفه في البرد وادرا عليه من الشمات واتلمّس فاقته وبجناحي يحتمي لو ما آجد من عشا بيتي إلاّ شخب شاة أتنازل عن طعامي وارده عن فمي واتنفذ للعدا والوحوش الضاريات واتقن التصويب وأصيب ويصيب سهمي وإن سريت بخرمة الليل ادل من القطاة مهنتي واعرف حصى الأرض واسما الأنجمي تارك عيش الترف للبنات المترفات أحرشٍ كفي وخدي من الشمس اسحمي محمد أحمد منصور جبران خلف بن هذال