"عندما لا يكون بمقدورك الهرب، وتعتمد باستمرار على الغير، ستتعلم البكاء عن طريق الابتسامة" قالها رامون ذو الأربعين ربيعاً الذي قضى أكثر من نصف عمره مشلولاً شللاً كاملاً عندما سُئل عن سبب كثرة ابتسامته. تلك الإجابة قد تختصر الكثير من الألم والمعاناة تماماً كما تختصرها ابتسامته المُثقلة من الحياة. رامون سيمبيدرو الذي حارب قرابة الثلاثين عاماً لأجل قضية يعتبرها الكثير من المحرمات وغير المقبول حتى النقاش فيها ألا وهي "القتل الرحيم". حياة رامون، نضاله، آلامه تم تجسيدها في فيلم من بطولة خافيير باردوم الذي قام بأجمل وأصعب أدواره وبأقصى درجات الاتقان التي قد يصل لها الممثل، كل ما كان يمتلكه خافيير من أدوات للتمثيل في هذا الدور هي ملامح وجهه وصوته المتعب؛ تلك الأداتان تكفلت بأن تصنع فلماً إعجازياً مؤثراً تحصّل على أوسكار أفضل فلم أجنبي لعام 2004. The Sea Inside -البحر بداخله- من إخراج وكتابة الإسباني أليخاندرو أمينابار الذي أخذنا في رحلة لأعماق ذلك الرجل الصبور والمثابر مبيناً ومظهراً لنا حقيقة مشاعره ومن أين أتت وكيف تكونت، أخذنا في رحلة لأعماق الإنسان بشكل عام بطريقة نادرة أن نجد لها نظيراً. هذه التحفة تم تصويرها في مقاطعة كورونا بطبيعتها الساحرة بالإضافة لمدريد وبرشلونة بميزانية لم تتجاوز ال10 مليون يورو. لن يعرف قدر المأساة والمعاناة إلا من يمر بها هذا ما ستردده وستظل تفعل ذلك بشكل أقوى بعد مشاهدتك لهذا العمل الذي سيجعلك بالتأكيد تتخذ موقفاً إما بالتأييد أو المعارضة لأنه لا مجال لأن تكون على الحياد. لكن مالا تتوقعه بأن تبدأ بموقف وتنتهي بالآخر وهذا بالضبط ماتفعله بنا الحياة متلاعبةً بنا تماماً كما تتلاعب بمصيرنا كمثل تلك اللحظات التي تبدأ بقفزة سعادة لتنتهي بسقوطِ مرير. ولأن للسقوط بهذه الحياة أنواعاً فلننظر لأقساها تلك التي تدفعك خارج كل تلك الحدود التي طوقنا أنفسنا بها، خارج عن حدود القانون، الأعراف، التقاليد. ستبدأ بالتساؤل عن تلك الأمور التقليدية الصغيرة لتصل بك للتساؤل عن أهمية تواجدنا ولماذا خلقنا؟ وإن كُنا خلقنا لغرض ما لماذا نتعرض لكل هذا الأسى والألم؟ ولماذا أعطت لنا نَعم عظيمة ثم سُلبت منّا؟ كل تلك التساؤلات التي انطلقت من ذلك الألم وتلك الحسرة العظيمة لن تُبقي في دواخلنا أي أثر لِروح ذلك الإنسان الذي كان يوماً ما يحمل طموحاته وأمله بعيش حياة سعيدة مع من يحب. "هناك أمر واحد أسوأ من موت ابنك.. ألا وهو أن يطلبه" هذا ماقاله والد رامون تعبيراً عن حزنه وربما احترامه لرغبة ابنه في أن يموت. جمالية وندرة هذا العمل نبعت من نقله لمشاعر الجميع وردات فعلهم وآلامهم ومدى تأثير الحدث عليهم لأنه بالتأكيد نحن لانعيش لوحدنا في هذا العالم بل نؤثر ونتأثر. ختاماً إنه بالتأكيد فيلم مؤلم لكنه وفي نفس الوقت سيقدم دروساً عديدة تختصرها كلماتهم المؤثرة.