هناك أشخاص يفرضون حضورهم وهيبتهم وتألقهم، على الرغم من بساطتهم في محدودية مركزهم الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي.. مثل هؤلاء الأشخاص نسميهم «ملح الجلسات». فبدونهم ينقص الاجتماعات الشيء الكثير وربما لا يكون للاجتماع أية نكهة، وربما لا ينطبع في ذاكرة المجتمعين منه أي شيء يذكر. وقد لا أبالغ حينما أقول إن البعض حينما لا يجدون هذا «الملح»، فإنهم يتصلون به ويلحون في طلب حضوره، وإذا اعتذر لظرف قاهر، فإن هؤلاء البعض ينسلون من هذا الاجتماع بحثاً عن اجتماع آخر، فيه ملح آخر. تطرأ لي هذه الخاطرة، كلما فشلت أن أجد موقفاً لسيارتي أمام محل للفول في رمضان: أرجوكم لا تستعجلوا في الحكم على ربطي الغريب بين القضيتين. لا تتسرعوا في طرحكم للسؤال الذي أجزم بأنكم سوف تسألون ما علاقة صاحب الحضور الطاغي والهيبة والتألق، بالفول الذي تنوي شراءه من المحل المكتظ بالمشترين؟!! قبل أن أجيبكم على سؤالكم سأسألكم أنا بعض الأسئلة: - لماذا كل هذا الازدحام الشديد على محلات الفول في الحجاز وفي الرياض وفي الدمام وفي أبها وفي القصيم؟!! ولماذا يزداد هذا الازدحام في الشهر الذي تزدان فيه المآدب بكل ما لذ وطاب من الأطباق الغالية والمكلفة والمتعبة؟!! لماذا هذا الفول الذي هو عبارة عن حبات مطحونة عليها بعض الطحينة والزيت، ينافس بكل ثقة واقتدار وأنفة وهيبة وتألق كل الشوربات والمعجنات والمحشيات والمكرونات والمشويات والمقليات؟! لماذا تنظم شرطة المرور الازدحام أمام محلات الفول، في حين تبحث فنادق الخمسة نجوم عن زبائن؟!! أليس لأن الفول هو الصديق الحميم المهيب الواثق، الذي إذا حضر اشرأبت له الأعناق المتكبرة، وهو البسيط لأكثر من بسيط؟!!