تعتبر جريمة القديح محطة على سكة قطار الصراع الطائفي-السني الشيعي، الذي تفجر في المنطقة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003م، وأصبح أكثر دموية في سوريا، وذلك من خلال القتل على الهوية. ولا يخفى على المتابع لهذا السعار الطائفي، الدور الذي قامت به القنوات الطائفية ودعاة الكراهية -من الجانبين، وذلك من خلال إحياء خصومات ومقولات طائفية تاريخية، كان لها دور في إشعال المزيد من الحرائق في عالمنا العربي، كل هذا الجنون الطائفي يتماشى بشكل كبير مع رؤية تهدف إلى تقسيم المنطقة إلى "شرق أوسط جديد" يقوم على دويلات ذات هوية طائفية، كبديل عن الدولة الوطنية. من يظن بأنه في مأمن من الحرائق الطائفية، فهو واهم بلا شك، فعندما يحترق بيت جارك سينتقل الحريق إلى بيتك لا محاله، لذلك لا يمكن أن يكون الحل إلا حلاً شاملاً يتكون من شقين أحدهما داخلي والآخر خارجي، يأخذ في الاعتبار تجارب الآخرين في الصراعات الطائفية، فالتجربة الأوروبية خير نموذج يمكننا أن نستقي منها تجارب تسعفنا في الخروج من هذا المأزق الذي تعاني منه دول المنطقة. خاضت أوروبا صراعا طائفيا امتد قرنا كاملا، راح ضحيته الملايين من القتلى والمهجرين، في حرب تعد اشد شراسة مما يجري في عالمنا العربي، وقد تم حل هذا الصراع الطائفي -الكاثوليكي البروتستانتي، من خلال صلح وستفاليا 1648 Westphalia Peace، الذي أنهى حالة الاستقطاب الطائفي بين البلدان الأوروبية، والذي اسهم في تهيئة المجتمع لتبني التسامح، انطلاقاً من كتابات جون لوك وفولتير-قام الأخير بتطوير مفهوم التسامح ليصبح أكثر اتساعاً. لذلك للخروج من هذه الأزمة على المستوى العربي، يجدر بصناع القرار إطلاق مبادرة للحل السياسي، ينهي حالة الاحتراب والاستقطاب الطائفي الذي تعيشه المنطقة، ودعوة أطراف النزاع في سوريا للحل السياسي، من خلال مصالحة وطنية تقوم على أسس قانونية تحفظ لمختلف الأطراف حقوقها، ذلك باعتبار سوريا حجر الزاوية وبوصلة الصراع الطائفي، فلا يمكن إيجاد حل لهذا النزاع بدون حل الأزمة السورية، هذا على المستوى الخارجي. أما على المستوى الداخلي، فيجب وقف الخطاب الطائفي التحريضي وتجريم دعاته والمتعاطفين معه، والتصدي له سياسياً ودينياً وثقافياً من خلال نشر ثقافة التسامح، وعندما نتحدث عن التسامح، فإننا نعني التسامح الإيجابي، الاعتراف المتبادل من الطرفين- اعتراف كل طرف بالآخر، والاعتراف بحق الآخر في الاختلاف ونسبية الحقيقة. ويترجم ذلك من خلال سن قوانين تضمن حقوق الطرفين على قدم المساواة، هذا بالإضافة إلى نشر ثقافة التسامح من خلال المناهج الدراسية، والانتقال إلى تسامح ثقافي مؤسس قائم على احترام معتقدات وطقوس الآخر، وبهذا الشكل نحن أمام عقد اجتماعي يضمن استقرار المجتمع ووحدته.