يحصلون على أقل الرواتب، يجولون المدن كلما هجع الناس آخر الليل؛ ليلموا ما ألقاه السكان طيلة النهار، وهم دائماً في الشوارع حتى في أوقات الظهيرة الحارقة، الأمر الذي دفع شرائح مختلفة من المجتمع إلى النظر بعين الشفقة والرحمة لأولئك الرجال ذوي الملابس الصفراء الذين يسمون عمال النظافة، في صورة من صور العطاء المجتمعي نحو التعاطف والرحمة والإحساس بالإنسان. فهذا ضابط أمن يتناول إفطاره في يوم قائظ من أيام رمضان فيستدعي عامل النظافة الذي اتسخ هندامه ليجلس إليه متناولاً معه وجبة الإفطار ذات مغرب، وهؤلاء شبان رأوا في الشيخ الكبير الذي شابت لحيته من الوقار ما يدفعهم لتقبيل رأسه احتراماً لسنه وتقديراً لعمله. أما الطالب الذي نزع جاكيته ليلقي به على جسد عامل نظافة كان يرتعش برداً، فقد ضرب مثلاً حسناً لأقرانه من الشبان، وأظهر أن شرائح كثيرة ومتباينة من المجتمع تحمل من الرحمة والوعي ومخافة الله الكثير. وقد دفع هذا التعاطف الكبير وما يتلقاه عمال النظافة من التعاطف، وما يجدونه من الهبات والصدقات والعطايا المادية والعينية إلى ارتداء عمالة سائبة الزي الأصفر الخاص بعمال النظافة، والتمثيل في الشوارع والقيام بأعمال النظافة بشكل صوري، بغية الحصول على ذلك العطف وتلك الهبات السخية، حتى أعلنت ذلك أمانة مدينة الرياض قبل فترة القبض على أولئك العمال المنتحلين لشخصيات عمال البلدية. ويُظهر التعاطف الكبير مع عمال النظافة الجانب الإنساني المضيء في المجتمع، ويُعده كثيرون جانباً من جوانب العمل الخيري، ومؤشراً على طغيان الحس الإنساني والشعور بالإنسان الآخر وبظروفه القاسية، وعلى الرغم من بدور سلوكيات فردية من قبل بعض عمال النظافة كالسرقات، وتعمد عدم تنظيف الشارع أمام بيت المواطن حتى يحصلون على مقابل مادي، إلا أن ذلك لم يثنِ المجتمع من التعاطف بشكل عام مع ظروف عمال النظافة والإحسان إليهم.