نظمت لجنة السرد بالنادي الأدبي بالرياض مؤخراً محاضرة عنوانها: "عبدالله الجفري روائياً" ألقاها علي زعلة وأدارتها رحمة الله أوريسي بحضور عدد من المثقفين والأدباء والإعلاميين. وقد افتتح زعلة محاضرته عن الجفري بسؤال مفاجئ يقول فيه: "هل كان عبدالله الجفري روائيا أم لا؟ إذا كان روائياً فلماذا يُهمل؟ وإن لم يكن روائياً فلماذا نحن هنا الآن؟" ثم ذكر المحاضر الإقصاء الذي عانى منه الجفري وأن معظم النقاد تجاهلوا منجزه البالغ سبع روايات بدأ نشرها منذ منتصف الثمانينات الميلادية إلى عام 2006، ولا يشار إليه بوصفه علامة مميزة في مسيرة الرواية السعودية. ألقى المحاضر هذا السؤال بين يدي الحضور من النقاد والأدباء والإعلاميين، ثم انصرف عنه إلى ذكر سمات التجربة الروائية للجفري موضحا أنه وظف فيها تقنيات حديثة عبر كسر خطية الزمن وغلبة الخطاب المباشر على صيغ السرد، كما أولى عناية كبيرة بالشخصية الروائية عبر الحوارات المباشرة الداخلية والخارجية، وكذلك ظهور الرواية الترسلية بأنواعها في بعض أعماله، وأما من جهة القضايا التي طرحها الجفري في رواياته فقد تنوعت بين الشأن الاجتماعي والتحولات السياسية وحرب الخليج وحوادث الإرهاب وهموم المثقف وكانت العلاقة بين الرجل والمرأة هي الإطار العام لتقديم ذلك كله. ثم عاد علي زعلة إلى سؤاله في بداية المحاضرة، وأجاب بأن: "البحث العلمي يؤكد وجود تجربة روائية لها خصوصيتها لدى الجفري، ويبقى الجزء الثاني من السؤال وهو: لماذا لم تجد تلك التجربة إلا الإهمال والتجاهل؟" معللا أن ذلك يعود إلى أمرين: تكرار الحكاية العاطفية في جميع روايات الجفري، فرواياته السبع -على حد رأي زعلة- تبدو كرواية واحدة مع بعض التنويعات عليها في بقية الأعمال، فالمتن الحكائي يتردد لديه، والأمر الثاني: يتعلق بتلقّي أعمال الجفري في أوساط المثقفين والأدباء والنقاد؛ إذ كان هذا التلقي متأثرا بصبغة الرومانسية والصحافية التي ألصقت بالجفري في جميع كتاباته السردية وغير السردية، وهذه الصبغة تحولت إلى تهمة تصنيفية إقصائية مع الأجيال الجديدة من المثقفين، يشهد لذلك قول عبده خال في صحيفة عكاظ بعد رحيل الجفري بأنه وأدباء جيله قد أقصوا التجارب التي سبقتهم بقسوة، ومنهم الجفري الرومانسي الذي ظل وفيا لرومانسيته. وأخيرا ختم المحاضر ورقته قائلاً: "إن الأسباب التي جعلت شقة الحرية للقصيبي وثلاثية تركي الحمد بداية علامة على مرحلة جديدة في مسيرة الرواية السعودية لم تكن تتعلق بأساليب الشكل وتقنيات السرد بقدر ما كانت تتعلق بالجرأة في مقاربة المحاذير الاجتماعية والدينية في تلك الفترة، فلو كان الجفري أكثر جرأة في طرحه لما تعرض لمثل هذا التجاهل!" ثم بعد ذلك جاءت المداخلات وتحدث د. صالح بن معيض الغامدي عن التصنيف والإقصاء وأنه ليس الجفري وحده الذي عانى منه، ثم تحدث دحام العنزي عن أهمية دور النقاد في ضبط الحركة الإبداعية وتحدثت د. شادية شقروش عن أن الحكم للنقاد في التجنيس وليس للكتاب والصحافيين وليست لعبده خال!. وتحدثت د. نوال السويلم عن ضرورة التوازن في الحكم على الأعمال الإبداعية وعدم التشدد أو التراخي مع كل ما من يكتب، وتحدثت آمنة الذروي عن تأثير الجفري الكبير في الأجيال على مدى أربعين عاما من مسيرته الكتابية.