كشفت الدراسة، التي نال بموجبها الكاتب والإعلامي علي زعلة درجة الماجستير في الأدب والنقد من «جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية»، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، عن أنّ هناك ندرة في الدراسات العلمية حول بنية الخطاب السردي في الرواية السعودية. وذكرت الدراسة، التي أشرف عليها الأستاذ المساعد في قسم الأدب الدكتور عبدالملك آل الشيخ، وتناولت الخطاب الروائي لدى الكاتب عبدالله الجفري، أنّ معظم الدراسات السابقة دراسة فنية وليس بوصفها عناصر خطابية ومقولات سردية. وقال زعلة إنّ من أبرز تلك الدراسات دراسة الدكتور حسن بن حجاب الحازمي (البناء الفني في الرواية السعودية) التي توفرت على دراسة عناصر الرواية كالأحداث والحبكة واللغة والزمن والمكان وغيرها، ودراسة الدكتورة نورة المري (البنية السردية في الرواية السعودية) التي درست السرد من خلال بنية الزمن وبنية الراوي، كما درست أدبية النص السردي من خلال بنية التناص. وأشار إلى أنّ هذه الدراسة تبدو أقرب الدراسات إلى موضوع بحثه، إلاّ أنها اعتمدت المنهج الفني، ولم تدرس عناصر مهمة من عناصر الخطاب السردي كصيغ السرد وأقوال الشخصيات والتبئير على سبيل المثال، بالإضافة إلى أنّ مدونة بحثها تتسع لتطال المنجز الروائي السعودي بعامة، بينما يتخصص بحثه هذا في دراسة الخطاب الروائي لدى الجفري تحديدا. وذكر زعلة في حديثه ل»الشرق»، إنّه اعتمد في بحثه المنهج الشعري (الإنشائي) كما هو لدى جيرار جينيت، الذي يعمل على تحليل الخطاب السردي ومستوياته وبناه ودراسة نظامه وعناصره وارتباطها ببعضها، وصولاً إلى استجلاء سماته وخصائصه، مضيفا أنّه لم يعمد إلى تطويع النصوص أو اعتسافها حين لا تتوافق مع نظريات المنهج وإجراءاته، وإنما أفاد من المقولات التداولية والتلفظية التي تغني المنهج وتضيف إليه، وبخاصة أن نصوص المدونة حفلت بكمّ كبير من أقوال الشخصيات. وعن اختياره الخطاب السردي في روايات الجفري كموضوع للبحث، أرجع زعلة الأمر لأسباب عديدة من أهمها تميّز التجربة الروائية لعبدالله الجفري ضمن سياق الخطاب الروائي في السعودية، مشيراً إلى أن للجفري صوته الخاص، وخطابه الذي يميزه من غيره في بناء عالمه الروائي، وفي توظيف التقنيات والأشكال السردية، كما في نزعته الواضحة للخروج من دائرة التقليد في كتابة الرواية، وبخاصة في المرحلة المبكرة من مسيرة الرواية السعودية التي بدأ خلالها نشر أعماله الروائية، بالإضافة إلى أنه واحد من أكثر الروائيين السعوديين نتاجا، ومع ذلك لم تظهر دراسة تتخصص في دراسة رواياته. وأشار زعلة إلى أنّ الدراسة جاءت في مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، حيث خصص التمهيد للتعريف بالكاتب عبدالله الجفري ونتاجه الأدبي، كما درس في الفصل الأول بنية الزمن فيما جاء الفصل الثاني مخصصاً لدراسة صيغ الخطاب السردي، فيما خصص الفصل الثالث من البحث لدراسة التبئير وأنواعه الثلاثة؛ الداخلي والخارجي والصفري. وأفرد زعلة لكل نوع من أنواع التبئير مبحثا، حيث حلّل في كل تلك المباحث والفصول نماذج من روايات الجفري، مفيدا من جيرار جينيت وممن خالفه أو تعقبه ممن جايله أو جاء بعده، وكذا من الدراسات العربية الرائدة في هذا الميدان. ولم يعمد إلى الإطالة في الجانب النظري المتعلق بمسائل البحث، ذلك أنه قد أشبع بحثا في عديد الكتب والدراسات الأجنبية والعربية. وأوضح أنّ هناك صعوبات عديدة واجهته في دراسته، من أبرزها غياب الدراسات السابقة التي عنيت بدراسة الخطاب السردي في الرواية السعودية، وكذلك اختلافات الدارسين العرب حول بعض المصطلحات وترجماتها وإجراءاتها، كما أنّ معظم المراجع العربية لم تدرس بعض عناصر الخطاب السردي ومكوناته، كالتواتر والصيغ السردية والوصف والتبئير. وحول النتائج التي توصل لها في بحثه، ذكر أنّ هناك عدداً من النتائج يمكن إجمالها في ظهور ملامح التجديد في بنية الخطاب السردي لدى الجفري، وتتجلى في تكسير خطية الزمن وتتابعيته التقليدية، حيث كثرت الاسترجاعات بشكل كبير في الروايات، بل إن رواية (جزء من حلم) ورواية (تلك الليلة) قائمتان على الاسترجاع في تقديم الأحداث والوقائع، كما يتجلى في الوصف التعبيري المبأر الذي لا يجيء مفضياً إلى الترهل والحشو، بل يمر عبر إدراك الشخصية الواصفة ناقلاً حركة باطنها ووعيها بالموصوفات. وغير ذلك من مظاهر التجديد التي أشار إليها في موضعها، وهذا يجعل الجفري واحداً من الروائيين الذين جددوا في بنية الخطاب السردي في فترة مبكرة من تاريخ الرواية في السعودية. كما كشفت الدراسة عن تنويع الجفري في أساليب تقديم الرواية وطرائقها، حيث زاوج بين صيغتي السرد والعرض، ووظف تقنيات وأنماطا سردية عديدة، كالاسترجاع والسرد المشهدي والوصف المبأر، وحضرت أقوال الشخصيات المنطوقة وغير المنطوقة والحوارات الخارجية والمونولوجات بأنواعها بكثافة كبيرة في الروايات، ويعد ذلك من ملامح التحديث في الخطاب السردي، إضافة إلى أنّ البحث أظهر العناية الكبيرة بالشخصية الروائية، مما يدعو للقول بأن روايات الجفري هي رواياتُ الشخصية بامتياز، إذ بدت الشخصيات حاضرة بقوة ومسيطرة على مفاصل السرد، فكثيرا ما وردت أقوالها بصيغة الخطاب المباشر في الحوارات الخارجية والداخلية التي تكشف ملامحها وتستبطن أعماقها، وتفصح فيها عن مواقفها ومشاعرها، وجاء الوصف المقترن بإدراكها غالبا على المقاطع الوصفية، كما غلب تقديم الروايات عبر تبئيرها ووفق رؤيتها. ولم تكن سلطة الراوي أو الروائي مهيمنة على خطابها، بل جاءت محدودة بشكل ملحوظ. وكشفت الدراسة أيضا عن استخدام الجفري أسلوب الرسائل في تقديم رواياته، فجاءت روايتان من رواياته ترسلية، حيث كانت رواية (جزء من حلم) ترسلية ذات صوت واحد، ورواية (العاشقان) ترسلية ذات صوتين، ونهضت الرسائل والمتراسلون بدور الرواية ونقل الأحداث والأقوال، وبدور التبئير أيضا. ويعد هذا ملمحا من ملامح التجديد لدى الجفري، إذ إن الرواية الترسلية نادرة في الأعمال الروائية في السعودية. إضافة إلى أنّ الدراسة كشف عن تمثيلات عديدة لمفهوم الحوارية وتعدد الأصوات في روايات الجفري، تتأتى تلك التمثيلات في العناية الكبيرة بتقديم أصوات الشخصيات في تبادلاتها اللغوية التي تكشف عن آرائها ومواقفها من القضايا الخاصة والعامة، ومن تمثيل وجهات نظرها وتبئيراتها السائدة في الروايات، وكذلك في حضور صوت الراوي التخييلي ومن ورائه المؤلف الواقعي وطرح رؤاه ومواقفه الإيديولوجية تجاه العالم عبر تبني مواقف بعض الشخصيات، وكذلك في الخطابات الذاتية والفلسفية والنقدية الممتدة في الروايات، مما يولد بين كل تلك العناصر وإحالاتها تفاعلا ذاتيا ومشتركا على مستوى اللغة والأفكار يتشكل عبره كيان الرواية.