سوف نستعرض شيئاً يسيراً عن سيرة وشعر الشاعرين الشعبيين الحكيمين .. الحميني علي بن زايد، والنبطي حميدان الشويعر، فقد انتشر صيت كل منهما في الجزيرة العربية، فكلا الشاعرين عاش في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي)، وإن كان بعض المؤرخين يرى بأن شاعرنا علي بن زايد الذي يعد أشهر حكماء اليمن الشعبيين، وتدور حكَمه وأقواله على ألسنة الناس، لا سيما في القرى، والبوادي، ويعرف في اليمن بلقبه: حكيم اليمن، عاش قبل شاعرنا حميدان الشويعر بقرن فيرون الأول ولد في القرن الحادي عشر الهجري، ولا يُعرَف بالتحديد مكان وتاريخ ولادته ووفاته، ويرى كثير من المؤرخين أنه من أهل قرية "مَنكَث" في حقل كتاب، أو قتاب ما بين مدينة يريم، ومدينة ظفار، العاصمة الحميرية القديمة، وذلك لورود اسم هذه القرية في كثير من قصائده ، ما يدل على أنه من سكانها ، ومن ذلك قوله: بالله يا بيض منكث كُثر الكلام بطِّلينه حلفت يا رأس بدرهْ لابد ما تبصرينه قالوا تغدت بميتم وغسّلت في عُدينهْ ويُعد الشاعر عبدالله البردوني – رحمه الله - من أكثر المهتمين، والدارسين لأدب وحكم ومقولات علي ولد زايد، فقد أفرد له في كتابه الشهير "فنون الأدب الشعبي في اليمن" فصلاً كاملاً ، أورد فيه كثيرًا من أقواله ، ودراسة تاريخية ونقدية، أبرزت كثيرًا من أعماله ومقولاته الشعبية الشهيرة، وأصدر ديوانًا شعريًّا استوحى عنوانه من سيرة صاحب الترجمة فسمّاه: رجعة الحكيم ابن زايد ، ولا تزال كثير من أقوال هذا الشاعر، تحتاج إلى غربلة وتدقيق؛ لمعرفة نسبتها إليه، كما ذكر البردوني، كما كتب عنه كثير من الأدباء أمثال الدكتور عبدالعزيز المقالح . وهناك من يرى بأن زمنه أقرب من ذلك لمفردات قصائده، ولهجته القريبة مما هو معروف وسائد اليوم ، وأننا نستشفُّ ذلك من بعض أقواله ؛ مثل: السَّرق يا مِهرَةَ الويل إذا خِفي كيف لا بان أو كقوله: مَن هُوْ مَرَة مَرَتِه يضر مَرَة جارِه أما شاعرنا حميدان الشويعر، فاسمه الحقيقي هو: حمد بن ناصر السياري، وإنما "الشويعر" تصغير شاعر لقب لحق به أو ربما لقّب به نفسه، كما يرد في قوله: ما يرد الحذر عن سهوم القدر والشويعر حميدان ياما انذره ويرى بعض الباحثين بأن شاعرنا حميدان الشويعر أحد أشهر أعلام الشعر النبطي في منطقة نجد وشرق الجزيرة العربية ولد في بلدة القصب في إقليم الوشم ، شمال غرب الرياض قبل شاعرنا علي بن زايد في القرن الحادي عشر الهجري لأن الشويعر عمر طويلا كما يتردد، ويقال إنه توفي عام 1188ه ، وقد ترجم له عدد من الأدباء من أهمهم الشيخ محمد سعيد كمال رحمه الله والأستاذ عبدالله الحمدان والدكتور عبدالله الفوزان ، وترجمة الفوزان للشويعر ودراسة أشعاره في كتاب خصّص له بعنوان "صحافة نجد المثيرة في القرن الثاني عشر" ، والتي سبق وأن كتب عنها الزميل عبدالله الجعيثن في 8 اكتوبر 2012م والعدد 16177 تعد أعظم ترجمة ودراسة وافية حيث شملت الحياة الاجتماعية التي سبقت حياة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، واستدلّ بدراسة وافية حقّاً أن ما قيل عن عدم تديّن المجتمع النجدي آنذاك غير صحيح، كما أن ترجمة الحمدان اشتملت على نصوص من المستحيل أن تكون للشويعر ومنها القصائد التي حوت على ثنائية القافية ، نظراً لأن هذا الفن جاء بعد الشويعر بقرن تقريباً عند محسن الهزّاني . كان الشويعر قصيراً ذكياً وحاداً، وفقيراً أيضاً كما يتضح في شعره، ومن شعره أيضاً يتضح انه قرأ في اشعار العرب وأخبارهم، وكان له رحلة مشهورة إلى العراق، واشتهر بالهجاء فهجا الكثير من أعلام وبلدان نجد في زمانه، كما هجا أبناءه وحتى نفسه حتى شبّهه البعض بالحطيئة ، لكنه اشتهر أيضاً بقصائد النصح والحكمة كما عند ابن زايد، ولا زالت أشعاره تتردد على ألسنة الناس في نجد إلى اليوم كما تتردد أحكام ابن زايد، وقد أشار الزميل الأستاذ ناصر الحميضي في العدد 12408 بتاريج 11 يونيو 2002م تحت عنوان: حميدان الشويعر لم يدرس شعره بعد، بمعلومات جد ثرية لم يعرفها من شرح شعر الشويعر ، ومن ذلك شرحه لقول: أنا من ناس تجرتهم أرطى الضاحي ودوا الغيرة اشوف التمر محاربهم حرب ما لهم به خيره في أن الشويعر لم يقل أنا من ديرة، أو صرح بالقصب وأهل القصب ليست تجارتهم في الأرطى، أصلاً، وكل تجارتهم في البر وهو القمح الذي ينتجونه ويبيعونه على البلدان الأخرى وكذلك التمر الذي يملأ جصاص أهل القصب مع الملح لبعضهم، وحياة الشويعر في القصب تعتمد على التمر فهو فلاح ، كما أن ولده مانع شمال للنخيل يعني أن قوله هذا ليس في القصب قطعاً فأهل القصب لم يحاربهم التمر كما يقول الشاعر، وقوله هذا لا يستلزم أن يكون قاله في القصب، فهو يعني نفسه خاصة وهو قد سكن أكثر من بلد، لكن من كتب عنه قال القول بلا تحقيق فيه مع أنه شبعان من القمح والتمر ، ويكمل الحميضي يقول في بيتين للشويعر: لنا ديرة عنها الطعاميس مجنبة بيان صفق للحريب عيان قتلنا بها أصحاب الوشايا جميعهم وأعاننا من لا يعان بشان أنه لا يوجد أوضح من هذا الشعر، فهو يقول ديرتنا القصب بعيدة عنها الرمال إلى الجنوب، وبلدنا مكشوفة لمن يحاربها، وهذا دليل على أنها محمية بالله ثم شجاعة أهلها لا بعوامل طبيعية، وفي حربنا على الوشاة أعاننا (من لا يعان بشأن) وهو الله عز وجل فهو الذي لا يعان بشأن سبحانه . عند التمعّن في قصائد ومقطوعات كل من ابن زايد والشويعر نرى شبه بعض المقطوعات من حيث بساطة الوزن والمفردة ، كما نرى أن أحكام علي بن زايد دائماً ما تبتدئ ب "يقول علي بن زايد" كما أن لدى حميدان الشويعر ذلك الشيء مثل قوله "والشويعر حميدان ياما انذره" وكذلك قوله: يقول الشاعر الحبر الفهيم حميدان المتهم بالعياره وقد اتفق كل من ابن زايد والشويعر في بعض الحكم.. عبدالعزيز المقالح د.عبدالله الفوزان