يا مركب الهند يابو دقلين يا ليتني كنت ربّانك يا عاذلي بالهوى جاء البين عساه ياطاك بحصانه هذه دراسة بسيطة لبعض أشعار شاعرين فحلين هما: الشاعر الحميني اليمني يحيى عمر اليافعي من يافع المولود في مشالة بيت الجمالي، وهو ذو شهرة واسعة في اليمن وعمان وبلدان الخليج ونجد والحجاز وتهامة وعند عرب الهند، والشاعر النبطي النجدي محمد بن حمد بن لعبون المولود في بلدة حرمة بنجد، وهو ذو شهرة واسعة كذلك في بلاد نجد والحجاز وبلدان الخليج، وإن كانت شهرة يحيى عمر تطغى على شهرة ابن لعبون في مواطن كثيرة بينما تخفت في مواطن أخرى أمام شهرة ابن لعبون، وتكادا تتساويان في بعض المناطق، إلا أنه نستطيع القول إن شهرة يحيى عمر تعدّت الآفاق أمام شهرة ابن لعبون، إذ قضى يحيى عمر، رحمه الله، معظم حياته في صنعاء وحضرموت ثم هاجر الى الهند حيث زار حيدر أباد الدكن ومدراس وكلكتا، ثم عاد إلى ولاية برودة الهندية، وكانت بها جالية عربية كبيرة من أهالي الكويت ونجد وحضرموت ويافع، فاستقر بها وتزوج. أما ابن لعبون - رحمه الله - فقد رحل مع أهله إلى بلدة ثادق، ثم رحل لوحده إلى الزبير قرب البصرة في العراق، ثم ترك الزبير في إثر حادثة له مع حاكمها إلى البحرين ثم الكويت، كما أن كلاهما توفّي خارج المنطقة التي ينتمي إليها في الأصل، فيحيى عمر توفي في ولاية برودة الهندية وانقطع عقبه، أما ابن لعبون فقد توفي في الكويت بالطاعون! ولعل طغيان شهرة يحيى عمر على شهرة ابن لعبون مردّه إلى كثرة المناطق التي زارها يحيى عمر مقارنة بابن لعبون، وتغنّي كثير من مطربي الجزيرة العربية وخارجها لقصائد يحيى عمر أكثر من قصائد ابن لعبون، وإن كان كلاهما يكتب القصيدة بالإحساس والرقّة والإسلوب نفسه، حتى لكأنما يقال إن من قال قصيدة هذا هو نفسه من قال قصيدة الآخر، أو بتعبير آخر إن كل قصائدهما تخرج من مشكاة واحدة! عاش يحيى عمر في القرن الحادي عشر الهجري، أي: أنه كان معاصراً للشاعر النجدي الشهير حميدان الشويعر - رحمه الله - وسابقاً بقرنين من حياة ابن لعبون الذي عاش في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي (الثالث عشر الهجري). وينسب كثير من الألحان الشعرية (الأوزان) إلى ابن لعبون الذي لا ينكر أحداً فضله في ابتكارها، وصنّف من قبل كثير من الباحثين والمؤرخين مثل الباحث الكويتي د. خليفة الوقيّان، والمؤرخ السعودي علي الدرورة، بأنه أسهم في الموسيقى والمقامات والألحان وهو ما لم يحفظه له كثير من باحثي ومؤرخي الشعر النبطي، لكن الحقيقة التي لا تدعو للشكّ هي أن كثيرا من تلك الاوزان التي سمّيت باللعبونيات كان قد قالها يحيى عمر قبل ابن لعبون! لنأخذ بعض الأمثلة على ذلك، فهناك قصيدة شهيرة لابن لعبون على ما سمّي باللحن الهجيني على تفاعيل (مستفعلاتن مفاعيلن) وهو أول من نظم عليه في الشعر النبطي، ومنها التي يقول فيها: إلى دعاك الولع ياشين دعوى المدوّه لظميانه وين اشتكي ما دهاني وين شكواي لله سبحانه أقول: يا أهل الهوى عزّين ما قال محسن لعثمانه يا عاذلي بالهوى جاء البين عساه ياطاك بحصانه تصبح وتمسي وفيك امرين فرقى وليفك وهجرانه! ولابن لعبون قصائد كثيرة على هذا اللحن، لكن ليحيى عمر قصائد شهيرة كثر أيضاً قالها على هذا اللحن قبل زمن ابن لعبون مقلّداً في ذلك شعراء الموشّحات والمبيّتات الحمينية ومنها قصيدته التي غنّاها عدد من الفنّانين ومنهم فنان العرب محمد عبده: يحيى عمر قال: قف يا زين سالك بمن كحّل أعيانك ومن علمك يا كحيل العين ومن الذي خضب ابنانك من صبّ لك حرز في حرزين ومن صاغ لولك ومرجانك لك قسم في قسم في قسمين ولك قسم زايد عن اخوانك يا مركب الهند أبو دقلين يا ليتني كنت ربانك باعبر بك البر والبحرين وأنزل المال في خانك واكتب على دفّتك سطرين الله .... الذي خانك! كما نجد نسبة ألحان أخرى كذلك إلى ابن لعبون مثل قصيدته الشهيرة التي قالها في البحرين على تفاعيل (فاعلاتن فعولن فاعلن): ياعلي صحت بالصوت الرفيع يامره لا تذبّين القناع ياعلي عندكم صفراً صنيع سنّها ياعلي وقم الرباع نشتري ياعلي كانك تبيع بالعمر مير ماظني تباع شاقني ياعلي قمرا وربيع يوم أنا آمر وكل امري مطاع يوم أهلنا وأهل ميٍّ جميع نازلينٍ على جال (الرفاع) فقد نظم على هذا الوزن يحيى عمر قبله بقرنين من الزمن مقلّداً أيضاً شعراء تهامة مثل قصيدته التي زاد فيها سبباً في بداية كل شطر لتصبح (مستفعلاتن): يحيى عمر قال: لا بندر عدن يا مركب الهند ليتك عازمي تجمل اليوم خذ زايد ثمن وشل عاشق مولع هايمي عاشق بلي في هوى حمر الوجن يفطريني ولونا صايمي ثلاثه اعوام راحه بالزمن بالهند لابردةٍ راسي حمي التمر لي والعسل لي واللبن في الرضى شل او في صارمي ماعاصي الا توطى لي ودن ولا بيقدم أمامي قادمي والليله القلب يتذكر وحن قلبي وعيني وعقلي حاكمي قالين: يايحيى انعى لك وطن حيث الوفاء والكرم باسمه سمي فقلت: ياليت انا فوق المزن باطير واهبط على حيد اصيمي باداوي الروح من جو اليمن منه علاجي ومنه بلسمي يافع حلالي له الوجه الحسن حلاوة اسمه حلا يملا فمي وكيف بنساه حبه قد سكن داخل فؤادي ويجري في دمي وفي القصيدة أعلاه نجد وصفاً لكرم ديار المحبوب وهو ما يوافقه قول ابن لعبون: حي المنازل جنوب السيف ممتدة الطول مصفوفه أمشي على زبنها واقيف في حبها الروح مشفوفه دار الخدم والكرم والضيف دار المناعير معروفه أما نظرتهما تجاه الدَّين والقرض، فإننا نرى يحيى عمر متفائلاً في الحياة إذ يراه شيئاً طبيعياً على البشرية وذلك في قوله: يحيى عمر قال: طول الوقت متسلّي لا القلب مشغول عاد النفس محنونه لا همّني دين ولا بي فقد من خلّي وإن كنت مديون ياكم ناس مديونه! أما ابن لعبون فيعرف من يقرأ قصائده أنه متشائم من هذه الحياة، وأن السعادة هي مجرّد لحظات حيث يقول: حيّ المنازل تحيّة عين لمصافح النوم سهرانه وإلا تحيّة غريم الدين معسر ووافاه ديّانه! نجد كذلك توظيف ابن لعبون للهجات والفنون الأخرى في قصائده مثلما فعل يحيى عمر عبر بعض أشعاره التي يعدّها بعض الباحثين من أصعب الأشعار الحمينية المعروفة والمشهورة حتّى يصعب فهمها في أحيان قليلة على أهل اليمن، لأن كلماته خليط من العربية والحميرية والامهرية والأردية والسواحلية مزجت ونظمت في أشعار حمينية يمانية عربية سلسة، أما ابن لعبون فقد انتهج نهج الزهيريات والجناس التام الذي سبقه إليه الهزّاني وشعراء العراق والكويت، كما أدخل لهجة سكان ساحل الخليج في قصائده مثل قوله: قالت غريب غشيه الليل مدلي ظامي رمى دلوه على ماك مدلي واظن هذا المستهام ابن مدلي من لابة تحجي ولا هوب شحتوت وله قصائد كثيرة ابتكر فيها مفردات من عنده ومنها مفردة "الغوانيب" التي تعني "الغواني" فأضاف باءً من عنده: ومجاملين عن هوا كل رعبوب وموادعين للطرب والغوانيب ابن لعبون خليفة الوقيّان علي الدرورة