اطلعت بسرعة على كتاب «الأسرار الخفية في معالم الأحساء الأثرية» للأستاذ إبراهيم بن حسين البراهيم.. ومن الأمور التي أثارت دهشتي في الكتاب -وسبق أن سمعتها من أحد الأصدقاء- أن «عين الحياة» التي شرب منها النبي الخضر عليه السلام، هي واحدة من العيون المائية الموجودة في واحة الأحساء وتدعى عين خدد.. ودعم المؤلف فرضيته بعدد كبير من الروايات والأحاديث والآيات القرآنية!!. وكان يمكنه إقناعنا أكثر لو اقتصر حديثه على وجود خصائص شفائية لهذه العين (حيث ثبت فعلا وجود بعض الخصائص العلاجية للمياه المعدنية) ولكن الحديث عن وجود عين مسؤولة عن إحياء الأموات وإطالة الأعمار أمر يصعب علينا تصديق وجوده في أي مكان في العالم.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا أصدق شخصيا بتمتع الخضر -هذا إن وجد أصلا- بميزة الخلود عطفا على قوله تعالى "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد". فالمؤرخون اختلفوا في حقيقة وجود الخضر وعيشه لقرون عديدة.. وقد توسع ابن كثير في كتاب البداية والنهاية في هذا الموضوع وسرد آراءً كثيرةً بخصوص هويته واختلاف العلماء حوله، فمنهم من قال إنه رجل صالح، ومنهم من قال إنه ملك، ومنهم من قال إنه كان قائدا لذي القرنين، في حين قال آخرون إنه ابن مباشر لآدم عليه السلام وهبه الله الخلد وطول العمر.. غير أن أكثرهم رجح أنه كان نبياً صالحا لأنه غلظ في القول على موسى -رغم مكانته بين الأنبياء- ولأنه تحدث من موقع المُوحى إليه كما جاء في قوله تعالى "فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما" فكيف عرف بمراد ربه لو لم يوحى إليه. على أي حال؛ مايهمنا اليوم هو أن معظم الآراء أشارت إلى عيش الخضر لقرون طويلة بفضل دعوة أبيه آدم - وقيل شربه من عين الحياة.. فقد جاء مثلا أنه الرجل الصالح الذي أخبر الرسول بأنه سيخرج لمواجهة الدجال في آخر الزمان، وفي حديث رواه البيهقي أن رسول الله لما توفي دخل عليه رجل جسيم أبيض اللحية بكى عند رأسه ثم انصرف، فقال الصحابة لبعضهم: أتعرفون الرجل؟ فقال أبو بكر وعلي: هو أخو رسول الله الخضر عليه السلام.. ومع أن البخاري أنكر هذا الحديث إلا أنه جزم ببقاء الخضر حياً حتى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما سر عمره الطويل فقيل لأن آدم لما حانت وفاته طلب من أبنائه أن يدفنوه في أرض بعيدة موحشة ودعا لمن يفعل ذلك بطول العمر، وحين مات خاف أبناؤه من دفنه هناك إلا الخضر فأصابته دعوة أبيه آدم.. وهناك رواية أخرى ذكرها ابن عساكر أن ذا القرنين كان له صاحب من الملائكة يقال له رناقيل فسأله هل تعلم في الأرض عينا يقال لها "عين الحياة" فدله عليها، ثم جعل الخضر في مقدمة جيشه فاهتدى للعين وشرب منها في حين لم يعثر عليها ذو القرنين. هذه الصفة التي التصقت بالخضر -وأعني بها الخلود وطول العمر- قد تكون الأساس الذي تشعبت منه ادعاءات وجود عين الحياة وينبوع الشباب.. وهي أسطورة تجدها لدى جميع الشعوب كونها تعبر عن حلم الإنسان بالخلود وبقائه شابا إلى الأبد.. فكما كان الرومان يعتقدون أنها في الهند، كان الهنود يعتقدون أنها في التيبت، وأهل التيبت يعتقدون أنها في منغوليا، وهنود المكسيك يعتقدون أنها في جزر البهاما، والفاتحون الأسبان أنها فوق جبال البيرو.. واليوم اتضح أننا نعتقد وجودها في الأحساء!